البعبع
بقلم:ديمه الحاج يوسف
تلجأ بعض
الأمهات إلى ترهيب أولادهم بكلمات لطيفة وأساليب سهلة مثلا "روح نام ولا
بجبلك البعبع، أبو شاكوشه، أبو رجل مسلوخة، الشرطي يحبسك، الكلب بعضك، الطبيب يغزك
ابره، أو الاحتلال بيجيلك!!"، أمهات ستنتج جيلا نراه في الشوارع ونستهجنه دون
أن نسأل أنفسنا من الذي أنتجه بهذه الطريقة! سيخرج جيل يحل مشكلاته بعضلاته ليعطل
دماغه، ويعيش ضمن آراء الآخرين ومخططاتهم.
سيكون صغير أبله يتعلق بتلابيب العبودية
لاعتقاده بأنها الحرية الكامنة، سيعتاد على
"بوس التوبة" وذلك بوضع السبابة على فمه دون أن يتفوه بحرف واحد كي يتسنى لذاك المعلم اخذ قيلولة بعد يوم مضن
من التعب!،سيعتاد أن يصفق بقدميه أو يصفقون له الطلاب إن كان "غبي تيس"
حسب وجهة نظر المعلم، وسيضحك في السابعة من عمرة حين يضرب؛ لموت أحاسيسه وتبلد
شعور الألم لديه.
فلم يعد شيء يعنيه ولم يعد شيء يخيفه، بل
سيستفزك بمقولته "هاد كل اللي عندك ما وجعتني!!"، وسيرقض حافيا؛ لينغرس
في قدميه كل ما يصادفه في الشارع دون أن يتألم!، سيعتاد على الصمت والانحناء
والهرب، وسيصفعونه إذا بكى خوفا من سقوط رجولته، وعليه أن يضرب زميله بالمدرسة إذا
شتمه.
وسيقوم والداه بإهدائه العاب تحفز العنف الكامن في داخله، ولن يتكلم معه احد حين يرونه مع أولاد الحارة يضربون كلب بالحجارة ويقطعون ذيله، أو يربطون طائر من عنقه للعب به كأنه لعبة محشوة بالقطن، وستنتظر العائلة بحرقة أفلام الحركة "الأكشن" في ليلة الخميس.
وسيقوم والداه بإهدائه العاب تحفز العنف الكامن في داخله، ولن يتكلم معه احد حين يرونه مع أولاد الحارة يضربون كلب بالحجارة ويقطعون ذيله، أو يربطون طائر من عنقه للعب به كأنه لعبة محشوة بالقطن، وستنتظر العائلة بحرقة أفلام الحركة "الأكشن" في ليلة الخميس.
وسيكبر وهو مترسخ لديه قناعة بأن "الناس ما
بتفهم غير بالدعس" لهذا سيكون اقصر الطرق
وأسرعها لتفاهم هي الضرب، بل سيدعي الديمقراطية لأنه يخير ابنه بالطريقة
التي سيضرب بها "بربيج، عصايه، أو ضرب يدوي"، بل أصبحت العائلات العربية
تبتدع أساليب للعقاب، وبات الطفل يخشى أن يواجه والداه عما يحصل له في المدرسة من
ضرب وشتائم أو في الشارع من اعتداء الأولاد عليه بشتى الطرق خوفا من الوقوف ضده.
ولهذا تعاني شعوبنا من أزمات نفسية حادة، لا
يفرغها البكاء ولا الصراخ ولا التكلم لوحدك بصوت مرتفع_إن تجرأت_ سيبقى شبح البعبع
يعبث في عقلك حتى تهاجر مع الطيور، أو تصاب بالجنون، فنحن في أوطان لا ملجأ لها،
لا عنوان لها، فنحن نحب الحياة ونكره أنفسنا، نريد الحياة فيأتي لنا الموت مسرعا!.
نحن شعوب لا يضمها أوطانها بل قبورها، دودها يأكل خيرها وزرعها ونحن نأكل دودها، لنعاني جرعات متتالية لا دفعة واحدة من الألم والغضب وسفح الكرامة، وسنموت كل يوم لكي نحيا مرة واحدة بشكل لائق، وإذا حيينا سيموت بداخلنا كل ما هو جميل، ويتبقى آثار الصفعات والشتائم في العقل تدور.
نحن شعوب لا يضمها أوطانها بل قبورها، دودها يأكل خيرها وزرعها ونحن نأكل دودها، لنعاني جرعات متتالية لا دفعة واحدة من الألم والغضب وسفح الكرامة، وسنموت كل يوم لكي نحيا مرة واحدة بشكل لائق، وإذا حيينا سيموت بداخلنا كل ما هو جميل، ويتبقى آثار الصفعات والشتائم في العقل تدور.
بعبع يبدأ من الوالدين وأولاد الحارة والمدير
والمعلمين، والجار والزوج والأقرباء والمستشفيات والمحاكم والحمامات العامة
والأماكن المرتفعة والمغلقة والمعتمة مرورا بالدين والشيوخ الذين يصفون لنا
نهايتنا على أنها نار مستعرة لا رحمة فيها.
انتهاء بالحكومة والمخابرات، بعبع يمتثل أمام المواطن كالفزاعه التي يضعها المزارعون لإرهاب الطيور وإبعادها عن أرضهم، ولكن عن ماذا هؤلاء يبعدوننا؟ لماذا جميعهم يرهبوننا؟.
اعتقد بأنهم يريدون أن نبتعد عن أنفسنا فنشعر بالعزلة والخوف وفقدان الهوية والقيمة ونصبح لا شيء، بسبب أسطورة البعبع تلك التي أصبحت حقيقة في عقل المواطن، الذي يعترف ببعبه الأكبر الذي ورثه منذ سنين، وهو الفقر، أعتقد بأن بعبع الفقر الذي لا يلاحقه بل يعيش معه ولا يستطيع الفرار منه، هو حلم ذاك المواطن، ولا اعلم أين تحديدا بالهروب منه، ليفكر بعدها بالتحرر من الآخرين!.
انتهاء بالحكومة والمخابرات، بعبع يمتثل أمام المواطن كالفزاعه التي يضعها المزارعون لإرهاب الطيور وإبعادها عن أرضهم، ولكن عن ماذا هؤلاء يبعدوننا؟ لماذا جميعهم يرهبوننا؟.
اعتقد بأنهم يريدون أن نبتعد عن أنفسنا فنشعر بالعزلة والخوف وفقدان الهوية والقيمة ونصبح لا شيء، بسبب أسطورة البعبع تلك التي أصبحت حقيقة في عقل المواطن، الذي يعترف ببعبه الأكبر الذي ورثه منذ سنين، وهو الفقر، أعتقد بأن بعبع الفقر الذي لا يلاحقه بل يعيش معه ولا يستطيع الفرار منه، هو حلم ذاك المواطن، ولا اعلم أين تحديدا بالهروب منه، ليفكر بعدها بالتحرر من الآخرين!.
تعليقات
إرسال تعليق