التعليم الابتدائي يحفز الإبداع أم ثقافة القطيع؟! (1)

بقلم: ديمة الحاج يوسف








*الجزء الأول من الدراسة

 هل الإبداع بتحصيل علامات مرتفعة؟ وبحفظ المقرر بأكمله مع النقاط والحروف؟ هل يعد التدريس عملية سهلة لا تحتاج إلى تدريب؟ هل ما زالت العملية التدريسية صماء تتمثل بحشو دماغ الطالب بمعلومات وبتحدث الأستاذ دون مشاركة الطالب؟.

 

 وهل يتم تطبيق أساليب التربية الحديثة؟ وهل تحفز المناهج الفلسطينية الإبداع والتحليل والتفكير الناقد، أم تخلق أفرادا ينساقون مع الجماعة دون تفكير، وما الهدف الأساسي للتربية والتعليم بناء على الرؤيا الفلسطينية؟.

هل لنا نصيب بمقولة بياجيه: ”إن الهدف الأساسي من التربية هو خلق رجال قادرين على صنع أشياء جديدة، ولا يقومون فقط بتكرار ما صنعته الأجيال السابقة، رجال مبدعين، مبتكرين، ومكتشفين“. سنسلط الضوء في الدراسة الحالية عن التعليم الابتدائي (صف أول وثاني وثالث) وأثره على التفكير الإبداعي.


*تاريخ التعليم في فلسطين
تعرضت فلسطين لظروف غير عادية، أثرت في التعليم خلال مراحل زمنية متعددة ومختلفة من حيث المناهج والأهداف والإشراف، حيث يقسم التعليم في فلسطين إلى خمس مراحل تاريخية، وهي الفترة العثمانية التي شهدت تدهور شديد في قطاع التعليم وانصبابه على القراءة والكتابة وحفظ القرآن دون الاهتمام بالعلوم العصرية، إضافة إلى الضعف العام الذي أصاب الدولة العثمانية واستنزاف مواردها نتيجة دخولها في الحرب العالمية الأولى، مما جعل التعليم في أدنى الأولويات.


بناء على (ﻣﺭﻛﺯ ﺍﻟﻣﻌﻠﻭﻣﺎﺕ ﺍﻟﻭﻁﻧﻲ ﺍﻟﻔﻠﺳﻁﻳﻧﻲ) شهدت هذه الفترة وقوع الشعب الفلسطيني تحت الانتداب البريطاني، مع تراجع الوضع الاقتصادي نتيجة فرض الضرائب الباهظة على الفلاحين، وتضاءلت فرص العمل مما أدى إلى انتشار الفقر، وهذا أثر بدوره سلبيا على الإقبال على التعليم من قبل أبناء الشعب الفلسطيني.

ومنحت حكومة الانتداب البريطاني بعض الحرية للمدارس الخاصة والأهلية أثناء توليها إدارة التعليم الحكومي، بينما كان لليهود نظام تعليمي خاص بهم، حيث عمد الاحتلال البريطاني إلى تقليص فترات الدراسة، وفرض رسوم للمدارس الثانوية، ومحاربة التعليم الجامعي للفلسطينيين بمنع تأسيس جامعة فلسطينية، بالمقابل سمحت لليهود بإنشاء جامعة عبرية يهودية عام 1925م.

وبعد وقوع النكبة عام 1948م وقيام دولة ”إسرائيل“ على الجزء الأكبر في فلسطين، وبناء على مؤتمر أريحا عام 1950م انضمت كل من الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية الهاشمية وقطاع غزة إلى مصر، وخضعت كل منهما للأنظمة والقوانين السائدة في الدولتين بما فيها النظام التعليمي.

 حيث شهدت الفترة من عام 1950 وحتى 1967 ازدهار التعليم وإقبال التلاميذ على المدارس؛ بفضل إدراك الشعب الفلسطيني لأهمية التعليم؛ مما أدى إلى التحاق خريجي الثانوية العامة يجامعات الدول المجاورة والأجنبية، وساهم هذا التطور في تمكن الفلسطينيون من إيجاد فرص عمل عديدة في الدول العربية وخاصة دول الخليج، الأمر الذي أدى إلى ازدهار مماثل في الناحية الاقتصادية.

في حرب حزيران عام 1967 تم احتلال ما تبقى من فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، بالإضافة إلى أجزاء من الدول العربية المجاورة، ما أدى إلى تعقيداًت من النواحي الإقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية، حيث عانت فلسطين من ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي المتمثلة باعتقال الطلاب والمعلمين وإغلاق المدارس، ومحاربة الهوية الوطنية الفلسطينية، بالإضافة إلى عدم الاهتمام بالبنية التعليمية وتأهيلها وغيرها.

وبعد تسلم منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية التعليم، وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية حسب اتفاقية أوسلو عام 1993، قامت ببناء المدارس وترميم القديم منها، ووضع نظام جديد لامتحانات الثانوية العامة، وابتكار المناهج الفلسطينية بناء على الرؤية الفلسطينية.

*التربية الإبداعية

 يقصد بمفهوم التربية الإبداعية: أن توجه التربية اهتمامها وأساليبها وأنشطتها ونتائجها إلى مجال الإبداع، مع مراعاة خصائص وإمكانيات ومقومات كل من التربية وعمليات الإبداع ودورها بالنسبة للفرد والمجتمع. (نجيب، 1994).
 إذن قد يكون الإبداع  في الجانب النفسي حسب تعريف مارلوك، وذلك يتمثل بقدرة الفرد على إنتاج أفكار وأفعال أو معارف، وتعتبر جديدة وغير مألوفة للآخرين، وقد يكون نشاطاً خيالياً وإنتاجياً، أو أنه صورة جديدة لخبرات قديمة، أو ربط علاقات سابقة بمواقف جديدة، وكل ذلك ينبغي أن يكون لهدف معين ويأخذ طابعا علميا أوفينا أو أدبيا أو غيره.
 

 من جهة أخرى ﻳﺭﻯ ﻣﺎﻛﻳﻧﻭﻥ أن ﺍﻹﺑﺩﺍﻉ ﻳﻌﺩ ﻅﺎﻫﺭﺓ ﻣﺗﻌﺩﺩﺓ ﺍلأوجه، ﺃﻛﺛﺭ ﻣﻥ كونها ﻣﻔﻬﻭﻣﺎ ﻧﻅﺭﻳﺎ ﻣﺣﺩﺩ ﺍﻟﺗﻌﺭﻳﻑ، وتتمثل مهارات التفكير بتعليم الطلبة أساليب المقارنة والتصنيف والتمييز والتحليل والتركيب.
ويقع على عاتق المعلمين مسؤولية تربية الإبداع في الصف، من خلال احترام شخصية الطفل وأسئلته، وتخصيص وقت للأنشطة الخيالية، مع تحفيز تفكير الطلبة بالمناقشات الحرة، والعصف الذهني.

 وإتاحة الفرص أمام الأطفال للتجريب واكتشاف الأشياء واستطلاع البيئة المحيطة بهم، والاهتمام بالفروق الفردية بين الأطفال، مع العلم بأن الدرجات الدراسية المرتفعة ليس لها صلة وثيقة غالبا في الإبداع، ويجب الحرص على ممارسة الطلبة الأنشطة الإبداعية وتذوقها، مثل الرسم، والتصوير، والأشغال الفنية، والهوايات، والابتكارات التقنية، والتصميم، وكتابة الشعر والقصة وغيرها.

 وفي دراسة ”التفكير الإبداعي“ يرى الدكتور محمد عوض الترتوري وغالبية التربويين المختصين بعلم النفس وطرائق التدريس، أنه يمكن تنمية الإبداع داخل المدرسة عن طريق تصميم برامج تدريبية خاصة لتنمية الإبداع.

 واستخدام بعض الأساليب والوسائل التربوية مع المناهج المستخدمة بعد تطويرها، من خلال النشاطات مفتوحة النهاية، وتبني طريقة التقصي والاكتشاف وحل المشكلات، والأسئلة المتباعدة (المتشعبة) والتحفيزية.

أسس المناهج الفلسطينية
 يذكر ﻣﺭﻛﺯ ﺍﻟﻣﻌﻠﻭﻣﺎﺕ ﺍﻟﻭﻁﻧﻲ ﺍﻟﻔﻠﺳﻁﻳﻧﻲ، بأن المناهج الفلسطينية تستقي ﺍﻷﺳﺲ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ، ﻭﺗﺴﺘﻤﺪ ﻣﺒﺎﺩﺋﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺮﺍﺛﻪ، ﻭﺩﻳﻨﻪ، ﻭﻗﻴﻤﻪ، ﻭﻋﺎﺩﺍﺗﻪ ﻭﺗﻘﺎﻟﻴﺪﻩ، ﻭﻭﺛﻴﻘﺔ ﺍﺳﺘﻘﻼﻝ ﺩﻭﻟﺔ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ عام 1988، ﻭﺩﻭﺭ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻩ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ، ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﺯﺩﻫﺎﺭﻩ ﻭﺗﻘﺪﻣﻪ ﻭﺭﻓﺎﻫﻴﺘﻪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ.

  لهذا تم تشكيل ﻓﺮﻳﻖ ﻭﻁﻨﻲ ﻟﻜﻞ ﻣﺒﺤﺚ، كل على حده، ﻹﻋﺪﺍﺩ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﺍﻟﺨﻄﻮﻁ ﺍﻟﻌﺮﻳﻀﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ ﻣﻦ 1998م ﻭﺣﺘﻰ 1999م، مع مراعاة عدم ﺍﻟﺘﻜﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﻤﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺒﺎﺣﺚ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، أو ﻭﺟﻮﺩ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺐ، وﺗﻨﺎسب ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﺔ ﻣﻊ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻄﻠﺒﺔ، وتم اختيار ﻣﺤﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻨﻬﺞ ﻭﻣﻌﺎﻳﻴﺮﻩ بناء على آراء ﺍﻟﺨﺒراء وﺘﺤﻠﻴلهم، وﻤﺴﺢ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺍﺟﻪ التلاميذ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ.

 ويذكر د. علي حبايب حول ”مشاكل التعليم الفلسطيني في المرحلة الأساسية“ بأن المناهج الفلسطينية تستخدم التلقين بشكل أساسي كطريقة تعليمية، بالإضافة لقلة النشاطات اللامنهجية، والنقص في استخدام وسائل التعليم الحديثة.

 فما تزال المناهج التعليمية حسب رأيه توصف بالتقليدية رغم كل عمليات الإصلاح والتجديد، كما أنه يغلب عليها الطابع النظري، على حساب الجانب التطبيقي والتعليم التكنولوجي، فهي تفتقر إلى الاتساق بين محتوياتها وأهدافها وبين قدرات التلاميذ ومهاراتهم وميولهم وواقع المجتمع ومشكلاته وحاجاته“.
تسلم الأولاد كتب مدرسية جديدة ولكن المحتوى ذاته                       صورة من الأرشيف



كما أن هناك شرخا عميقا في المناهج التعليمية، سببه الفجوة الكبيرة بين السياسات والأهداف المعلنة، وبين الإنجازات الفعلية والممارسات العملية، حيث أن الهدف من كل عملية تعليمية هو الوصول بالمتعلم إلى امتلاك شخصية قوية متوازنة، وتكوين هوية ثقافية واضحة الملامح، لكن المناهج التعليمية المعتمدة تحكمها رؤى الاختزال والتجزيء وتصورات التقليد والاستنساخ.
 ووصف قبح المناهج الفلسطينية بأنها “ مناهج صماء، تتكلم لكنها تعجز عن مجاراة الحوار“، كما أن هذا التعليم لم يقدم المهارات الأساسية العلمية القابلة للاستخدام، والتي من الممكن أن تمكنه من أن يكون مواطنا منتجا في مجتمعه.
يتميز العصر الحالي بالتفجر ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻲ، وبناء عليه يجب ﻣﺮﺍﻋﺎﺓ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻫﺠﻨﺎ، فيجب الاهتمام ﺑﺎﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭﺍﺕ الابتكارية.
ولتؤدي المناهج وظيفتها في تنمية الإبداع يجب عرض المادة بتسلسل منطقي، عن طريق أسئلة ومشكلات، تثير قدرات الطالب على الحل والبحث والدراسة، وألا تقتصر التمارين على أسئلة الاستدعاء والتذكر.

 بل يجب أن تتضمن أسئلة عن تحليل المواقف وإعمال الفكر، وأن تشجع الكتب المدرسية الطالب على التعلم الذاتي، وأن تتضمن المستحدثات العصرية المناسبة في مجال المادة الدراسية.
وتشدد الدكتورة سناء العطاري في دراستها حول ”أدب الأطفال والتربية الإبداعية“ بأن الكتب المدرسية تمثل أهم قطاع من قطاعات الكتب التي يتعامل معها الأطفال، في كل مراحل نموهم، وفي جميع مراحلهم التعليمية، لهذا يجب أن تدخل الكتب المدرسية ضمن أدب الأطفال.

مع مراعاة خصائص الأطفال وقدراتهم واهتماماتهم فيما تقدمه لهم من مواد دراسية منهجية، وترى بأن المدارس تقتصر على تزويد الأطفال بالمعلومات المنهجية في نواحي العلوم والفنون والآداب المختلفة، وتغفل اكتساب طريقة التفكير الصحيحة؛ وذلك لكون الاقتصار على الحفظ والاستظهار، لا ينجح في إعداد الفرد المفكر الناقد المستنير، الذي يحسن الحكم على الأمور، وتقدير العواقب، وابتكار الحلول.
يتبع.

*ملاحظة: كل الصور المرفقة من الأرشيف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".