"مزرعة الحيوان"والثورات!

بقلم: ديمة الحاج يوسف


هي ضريبة الثورات حين تذهب المبادئ في مهب الريح! وما أشبه اليوم بالأمس، هل لأن التاريخ محتم عليه أن يكرر نفسه أم الحماقة هي من تعيد ذاتها حين نقرأ التاريخ كمادة للتسلية وليس لأخذ العبر والعظات ممن سبقنا!.


"مزرعة الحيوان" رواية من تأليف جورج أورويل نشرت في إنجلترا يوم 17 أغسطس 1945 و هي إسقاط على الأحداث التي سبقت عهد ستالين وخلاله قبل الحرب العالمية الثانية، لكنها توائم كل زمان ومكان يحدث فيه ثورات.


في أحداث الرواية حين كانت الخنازير تنشر قيم الثورة والعصيان ضد البشر، تسائلت حيوانات مزرعة "مستر جونز"عمن سيطعهم في حال رحل صاحب المزرعة وهكذا سيموتون من الجوع، وآخرون سألوا "لماذا نكترث لما سيحدث بعد وفاتنا" وغيرهم قالوا "لو كتب لهذا العصيان أن يقع على أية حال فما الفرق أن عملنا لأجله أم لم نعمل؟".

وهذا ما نراه بين الشعوب التي ينتشر فيها الجهل واعتادت على الخنوع والطاعة لتفكيرها الدائم في الحاجات الإساسية كالأكل والمشرب دون حرية التعبير...ومنهم الامبالي بالمستقبل إن لم يكن يعيش فيه، وآخرون يؤمنون بسذاجة بالقدر.

على سبيل المثال "لماذا نحرر فلسطين فهي ستتحرر يوم القيامة ويوم القيامة بعيد!" أو "لماذا نسعى لرزقنا إن كان مكتوب لنا قبل أن نولد!" ناهيك عن الأمثلة الاخرى التي تتذرع بالقضاء والقدر لترسيخ مفهوم الإتكالية وعدم العمل.

ظهر في الرواية غراب أليف لصاحب المزرعة كان يحيك القصص الخيالية عن "جبل الحلوى"  تنقل إليه الحيوانات عند موتها، وجميع ايام الأسبوع هي آيام عطلة والبرسيم متوفر على مدار السنة وقطع السكر وبذر الكتان ينموان على السياج.


كان الغراب كسولا لا يعمل، فقط يروي حكايات..وما أشبه ذاك الغراب برجال الدين الذين يتخدون الدين تجارة لهم لتخدير الآخرين وإغفال عقولهم والتحكم بهم، دون إدراك الشعب بمخططات فساد الحكام في الدنيا! فالأشرار حسب قولهم لهم الدنيا والطيبون لهم الآخره!.


نجحت الحيوانات في الرواية، في طرد البشر من المزرعة ونيل حريتهم لمنع البشر من إستعبادهم وأخذ خيراتهم، لكن ما هي إلا برهة من الزمن حتى ترأست الخنازير الحكم وبدأت بسرقة الحليب والتفاح لنفسها وحرمان بقية الحيوانات منها، بالرغم من عملهم الدؤوب وبقيت حصص الطعام قليلة والخنازير مستريحة.


حيث أقنع خنزير (وهو يرمز للإعلام المضلل الموالي للحكومة الفاسدة) بقية الحيوانات  بأن القيادة أمر مرهق ومسؤولية ثقيلة وأنتم لا تستطيعون إتخاذ قراراتكم بأنفسكم لهذا فهو مخول لأخذ القرارات عنكم، ومٌنعت الخنازير من نشيد الثورة الذي كانوا ينشدوه مسبقا قبل الإطاحة بحكم البشر، وتم تأليف أغنية خاصة توائم الحكم الحالي.


ولقب نفسه بألقاب عديدة مثل "والد جميع الحيوانات، مرعب البشر، حامي قطيع الخراف، صديق البط.. لم يتغير شيء سوى ترأس الخنازير للحيوانات بدلا من البشر! وهذا ما نراه جليا من تمجيد الحاكم في الدول النامية بألقاب مفخمه ومعظمة وربط نشيد الدولة بإسمه، وحين تحدث الثورات والإنقلابات تتغير الوجوه والأسماء، وتبقى السياسة ذاتها.


وحين مرض الخنزير الحاكم، بكت الحيوانات وشعرت بالضياع والتشتت، وتسائلوا من سيتولى زمام أمورهم بعده...وتتجسد هذه الظاهره في شعوبنا العربية الذي يبكي موت حاكمه ويشعر بالتخبط بعده، ويخرج للشوارع للهتاف بإسمه!.


وكلما تذمرت الحيوانات، قالت لهم الخنازير: هل تفضلون عودة مستر جونز! لبث الرعب في قلوبهم وقبولهم بالوضع الحالي، كانت تعتقد الحيوانات بأنها باتت الآن أكثر حرية وكرامة فهناك المزيد من الأناشيد والخطب والمواكب للحاكم ناهيك عن الإحتفالات في ذكرى الثورة التي ركبها الخنازير على ظهور الحيوانات.


ولكن كل هذه تغييرات سطحية فلم تزيد حصص بقايا الطعام، وخالفوا الوصايا السبع للثورة بل حرفوها وأعادوا كتابتها مستغلين جهل الحيوانات في القراءة والكتابة.



هكذا تصبح الشعوب ضحية بعد تضحيتها بحياتها لإشعال فتيل الثورات من أجل قيم العدالة والمساواة والحرية... فما تلبث الثورة أن تسرق منهم بحجة الحفاظ عليها!.


وانقلبت الخنازير على بعضها لتستأثر الحكم لنفسها، وتم طرد الخنزير الحاكم سابقا، وتولي خنزير آخر المنصب، بالإضافة لإتهام الخنزير الجديد للخنزير السابق بأي تخريب.

 ناهيك عن قتل الخنزير الجديد كل من اعترف بأنه من أتباع الخنزير السابق وساعده في مخططاته، وهي وسيلة ناجعه لبث الرعب والخوف في قلوب الشعوب.

وحين يتم فضح حكم الخنازير بفضيحة فساد، لا تلبث حكومتهم الموقرة حتى  تلهي الناس بالإحتفالات والمهرجانات لنسيان الصخب وعدم طرح الأسئلة.

وفي زماننا يلهي الحاكم العربي الشعوب، بفتنة طائفية، أو تفجير لمكان ما، الخ من الحيل المتبعه التي تتبعها الحكومات الديكتاتورية للتغطية على عفن حكومتهم.

الرواية تحدثت بلسان الحيوانات  لكنها قصدت المجتمع البشري بإعلامه الكاذب المضلل، والجموع من العامة الحالمة منها التي تعمل بجد وغباء وتسير خلف قائدها علها تحصل على مبادئ الثورة، وهناك الديكتاتور والخائن والضعيف والمحايد الذي يعرف كل شيء ولا يتحدث.

هذه الرواية جسدت مبدأ الشعوب تصنع جلاديها بجهلها وهكذا يسرق الخونة الثورة، بعدم وجود معارضة مفكرة قوية تحمي مبادئ الثورة.

لمشاهدة فيلم مزرعة الحيوان المقتبس من الرواية:





لتحميل الكتاب: http://goo.gl/pvd9jX

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

البلدة القديمة في نابلس..تروي حكاية تاريخ عريق