قراءة في كتاب مهزلة العقل البشري

إعداد: ديمة الحاج يوسف

                

كتاب "مهزلة العقل البشري" للكاتب العراقي علي الوردي، الكتاب تتمة لكتاب "وعاظ السلاطين" فهو ينظر إلى التاريخ بعين المؤرخ والناقد وعالم الإجتماع حيث يحلل طبيعة العقل البشري.


الكتاب غير موجه لهؤلاء الذين يعتقدون بأن العادات والقوانين التي تربوا عليها هي قوانين طبيعية مسلمة لا يجوز الجدل والخوض فيها، بل لهؤلاء الذين على إستعداد دائم للاستماع لجميع الآراء والبحث فيها وتحليلها دون تعصب لفريق دون آخر.

حيث يخوض الكاتب بما يسميه العامه "المحرمات والممنوعات" لخوضه بتحليل التاريخ الإسلامي في فترة علي رضي الله وعنه ومعاوية بن أبي سفيان.

وذلك لأن الكاتب قال بإهدائه " أُهدي هذا الكتاب إلى القراء الذين يفهمون ما يقرأون. أما أُولئك الذين يقرأون في الكتاب ما هو مسطور في أدمغتهم فالعياذ بالله منهم. إني أخشى أن يفعلوا بهذا الكتاب ما فعلوا بأخيه "وعَّاظ السلاطين" من قبل، إذ اقتطفوا منه فقرات معينة وفسروها حسب أهوائهم ثم ساروا بها في الأسواق صارخين.... لقد آن لهم أن يعلموا أن زمن الصراخ قد ولَّى، وحل محله زمان التروي والبحث الدقيق".
 
اعتمد الكاتب على لغة بسيطة سهلة الفهم، يندر بها المصطلحات المعقدة غير المألوفه، يطرح رأيه بإستخدام الأدلة ويرفق معها المصادر في الهوامش بنهاية كل فصل للرجوع إليها إن أراد القارئ، الباحث علي الوردي كان موضوعيا حياديا إلى حد كبير، تطرق إلى وجهات النظر المختلفة.

يقع الكتاب في 12 فصل، كل فصل من الكتاب يمهد للأفكار الواردة في الفصل الذي يليه، في مقدمة الكتاب يعترف بفضل الفلسفة القديمة ويشجع على التطور بالأفكار حسب مقتضيات الزمان، ورد بإختصار على  الجدل والصخب حول كتابة وعاظ السلاطين.

لا توجد ظاهرة إجتماعية تخلو من محاسن أو المساوئ، وإن تخليص المجتمع من مشكلاته أمر غير ممكن لأن المشكلات برأيه دافع من دوافع التطور لولاها لوقف الناس في طورهم الذي هم فيه.

وتناول علي الوردي في الفصل الأول عن طبيعة المدنية، حيث يرى بأن المجتمع يتطور بالنزاع القائم على المبادئ وليس على الأشخاص يكون دافع للتحرك للأمام وطرح الأسئلة خصوصا "لماذا" التي تحث الإنسان على التفكير ودفعه للشك والتحرر من المسلمات وبالتالي القلق والسعي للبحث عن الأجوبة.

 أما الإتفاق برأيه يؤدي إلى الجمود البلاهة الكسل والتسليم بالقدر والتقاليد القديمة وبالتالي الشعور بالطمأنينية والسعادة.

علي الوردي كان ثائرا على رجال الدين الذين يبذلون جهدهم للحفاظ على النظام القديم والتسليم بالأمور دون تفكير، لتأليفهم كتب تؤيد أفكارهم بتعصب يمجد العقائد الموروثه بعيدا عن الموضوعية والحياد العلمي.


ويوضح في الفصل الثاني منطق المتعصبين القائم على ممارسة المنطق القديم لعدم مواكبتهم للعصر وبالتالي مهما مدحوا السيف لن يقف منتصرا أمام الرشاش!.

ويرى بأن الحق والحقيقة مكيدة إستغلها العقل البشري للوصول إلى مآربه للقتل وسفك الدماء لكل من يخالفه في العقيدة لأن حتى الظلمة الطغاه يجدون أنفسهم على الحق والحقيقة.

ويقول علي الوردي" إن من الظلم حقا أن نعاقب الناس على عقائدهم التي لقنوا بها في نشأتهم الإجتماعية"  ويرى بأن الإنسان يؤمن بعقيدته التي ورثها عن أبائه ثم يبدأ بالتفكير بالأدلة التي تؤيد تلك العقيدة.
يرى الوردي بأن الحل للإنغلاق الفكري الذي يؤدي لتعصب هو التجول في الآفاق والإطلاع على مختلف الآراء والمذاهب التي تحرر الفكر.
الفصل الثالث بمسمى علي بن أبي طالب، يسخر فيه الكاتب من الجدل القائم في الشوارع بين العامه والفقهاء وفي الكتب بين المسلمين حول من الأحق بالخلافة لأبي بكر وعمر أم علي بن أبي طالب أو أيهما أفضل عند الله، لكونه دون أي منفعه، فالهدف من دراسة التاريخ الإستفادة من أجل الحاضر والمستقبل.
  
فأبطال التاريخ لا أهمية لهم إلا من حيث مبادئهم  الإجتماعية التي يسعون ورائها، ويرى بأن دراسة النزاع بين علي ومعاوية هو الأجدر لأنه نزاع جذري بين المبادئ يدور حول مصير الأمة التي يريدها علي بن أبي طالب أن تجري في طريق العدالة الإجتماعية والأخر يريدها أن تجري في طريق الحكم الطاغي دون عدل أو مساواه. نزاع يراه بين القافله وقطاع الطرق يفيدنا فيما نعانيه من مشكلات إجتماعية وإقتصادية.

ويرى بأن دراستنا للتاريخ باتت وسيلة للتسلية والتثقيف وليس لمساعدة الناس لحل ما يعانون من مشكلات راهنه.

ويفسر الغلو والتعصب ووصف الحكام لأهل العراق بأنهم "أهل شقاق ونفاق" وذلك للأزمات الإقتصادية  والسياسية التي حلت عليهم حيث يترافق زيادة الجور والظلم، مغالاة بالتصرف.

والمغالاه بحب علي كانت نتيجة لظلم الأمويين وأمرهم بشتم علي بن أبي طالب في منابر المساجد فكان من يريد الكيد وتحدي الدولة، يغالي بحب علي.
 
الفصل الرابع المدينة الفاضلة: الحق والعدل أمران نسبيان وليس معلقان في الفراغ، والخياليون طرحوا أفكار رائعه عن سيادة المحبة والألفة ولكنها لم تكن عملية وكان يستحيل تطبيقها، ويرى بأن الديمقراطية تحتوي النزاع بالأحزاب السياسية.

ويعزي سبب تطور الامم الحديثة لإختراع البارود والأسلحة النارية وثانيا إختراع الطباعة والصحافة التي أدت إلى الوعي ونضوج الرأي العام.


أنواع التنازع وأسبابه هو الفصل الخامس : يذكر فيه عدة أسباب للنزاع، ويرى بأن الإنسان مجبول على التنازع في صميم تكوينه فإذا قل التنازع الفعلي لجأ إلى إصطناع تنازع وهمي ليروح به عن نفسه مثل أفلام الأكشن أو مشاهدة المصارعة.

وحين تقل الحروب الداخلية والخارجية ينهمك الناس في منافساتهم الإقتصادية ومجادلاتهم المبدأية والسياسية.

الفصل السادس القوقعة البشرية: تتكون القوقعة في أوج الطفولة لرؤية الطفل نفسه بمنظار عواطفه ولذاته، فالحسن في رأية حسن لأنه محبوب لديه والقبيح لأنه مؤلما.ويرى نفسه محور الدنيا إذا بكى فالحياة تتألم معه وإذا فرح فالحياة تفرح معه.ولا يزول ذلك الشعور مهما كبر المرء وزاد حنكته وعلمه بل تقل لا أكثر. وهكذا نرى الإنسان ينسى مساوئه ويتذكر حسناته ويبالغ بها.

الفصل السابع التنازع أو التعاون: يرى الإنسان وحشي بطبعه ومدني بالتطبع، يعيب على الفلاسفة القدماء الذين اهملوا المجتمع الواقعي وكونوا مجتمع خيالي يسعد الإنسان به، أما إبن خلدون إستطاع أن يبحث في المجتمع دون إستهجان أو حط لقيمة المجتمع.ومن سمات المجتمع الصالح التحرك بهدوء دون تعفنه وطغيانه حيث تتوازن فيه قوى المحافظة والتجديد.
 
ويقول بأن الطبقة المترفه ميالة للإلتزام بالجبهة المحافظة وهم يخافون من التغير الإجتماعي  فقد يضيع عليهم الوضع المريح ومصالحهم المادية الذين هم فيه.

وفي السياق ذاته يترابط كلام المؤلف عما نراه يحدث حاليا في ثورات "الربيع العربي" نجد نخب المجتمع من الأغنياء رجال الأعمال ورجال الدين والمشهورين الفنانين ميالين للفئة الحاكمة للإحتفاظ بمصالحهم المادية، وهذا يحدث في كل مكان وزمان.

ويعتبر الكاتب طاعة الظالم هي ظلم تستحق العقاب عليه.

الفصل الثامن مهزلة العقل البشري: هنا يتحدث الكاتب عن أنشتاين ونظريته النسبية بإسهاب ونظرية الزمان والمكان واين يبدأ الكون وينتهي وعن تحدب الكون، والهدف من كل هذا القول العلمي في علم الإجتماع بأن الحقيقة النسبية هي المسيطرة وليست المطلقة وكل فكرة لها جانب صواب وخطأ والباحث من يدرس أثرها  فتتطور الحياة البشرية

الفصل التاسع ما هي السفسطة: ذكر الجدل الذي كان قائما بين افلاطون وأفكاره حول العدل وأفكار السوفسطائيون الذين ركزوا على الإنسان ورؤيتهم للعدل كنتيجة للتفاعل الإجتماعي وليس مجرد فكرة قائمة في الفراغ. موضحا عيوب ومحاسن الفلسفة السوفسطائية، ووضح فلسفة سقراط ومدى إختلافها عن أفلاطون.

الفصل العاشر الديمقراطية في الإسلام: ذكر فضائل الصحابة كأبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، ثم تطرق إلى علي بن أبي طالب وديمقراطيته في الإسلام وتطرق للنزاع الذي دار بين علي ومعاوية ويصفه بأنه صراع بين الديمقراطية والإستبداد، الشورى والطاعة والعدالة والطغيان، ويرد الوردي على المستشرقين بأفكارهم وإتهاماتهم المغلوطة تجاه الرسول محمد والدين الإسلامي.

الفصل الحادي عشر علي وعمر: بهذا الفصل يوضح الكاتب الأسباب الوجوهرية التي أدت إلى تقسم المسلمين إلى شيعة وسنه، بالرغم من عدم تباغض عمر وعلي، يعزي السبب لمعاوية بن أبي سفيان في إثارة الخصومة المصطنعه بسياسة "فرق تسد" وبهذا نسي الناس كفاح علي ضد معاوية وانشغلوا بفضائلة الشخصيه.

الفصل الثاني عشر التاريخ والتدافع الإجتماعي: قراءة التاريخ من ناحية الملوك وإهمال ناحية الشعوب يجعل التاريخ أعرج، ذكر الفرق بين رواية التاريخ ورواية القرآن وبين الدين والدولة.

يقول الكاتب "صار المسلمون لا يفهمون من الدين سوى القيام بالطقوس الشكلية، ثم يرفعون أيديهم بالدعاء "اللهم أنصر الدين والدولة".

يختتم كتابه بموقف تعرض له اثناء محاضرة له وما ترتب عليها من إتهام وتهديد باطل له، ويختم قوله "الأفكار كالأسلحة تتبدل بتبدل الأيام والذي يريد أن يبقى على آرائه العتيقة هو كمن يريد أن يحارب الرشاش بسلاح عنترة بن شداد".

ومقولة علي بن أبي طالب "لا تعلموا أبنائكم على عاداتكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

البلدة القديمة في نابلس..تروي حكاية تاريخ عريق