مخيلة الطفولة

بقلم: ديمة الحاج يوسف


في مرحلة الطفولة تكون مخيلتنا خصبة، وما يميز الخيال بأنه لا يمليه عليك أحد لتفعله، فقط تختلقه وتحتفظ به. 



في طفولتي هناك الكثير من الأمور الجميلة التي كنت أتخيلها سأروي بعضها، كنت أعتقد إن صعدت إلى سطح البيت وتسلقت بسلم سوف أصل إلى القمر، كنت أرى جميع الناس طوال القامة وضخمين وأنا وحدي صغيرة، كنت أشعر بأن ألعابي تستيقظ بالليل وتتحدث مع بعضهما البعض وتسير في البيت.


 كنت أعتقد  إن فتحت شاشة التلفزيون سوف يخرج منها ناس، كنت أرى دائما الغيوم في السماء على شكل حيوانات ودمى ومأكولات لذيذة، كنت أؤمن بوجود مارد للمصباح أفركه ويحقق لي كل ما أتمنى، كنت أعتقد بأن النجوم حين تموت تنزل على الأرض كسائل مشع أزرق جميل وإذا إستطعنا الإمساك بهذا السائل ولو لمرة واحدة ستتحقق كل أحلامنا.


أدرك بعد إنقضاء مرحلة الطفولة، بأن ذاكرتي ومخيلتي ليست كالسابق، لقد ذهبت إلى المدرسة وتقيدت في مقعد واحد طوال إثني عشر عاما دون أن نطرح تساؤلات، فقط يتم تلقيننا وتقييم الأفضل بالقدرة على الصم أكثر.

كبرت وذهبت للجامعه وبدأت بمتابعة نشرات الأخبار المحشوة بالمآسي، قابلت الكثير من الشخصيات، بت أفكر يجب أن  أمشي هكذا وأتكلم بتلك الطريقة فقط لكي أحصل على إستحسان الآخرين ولا أتعرض لنبذ أو لسخرية من قبل أحد.

بت أشعر بالدهشة كلما شاهدت فيلم خيالي بشخصيات عجيبه وعوالم غريبة وكأنه تعويض عما فقدناه من مخيلتنا.

حين تفتقد الطفل الذي بداخلك الذي كان يختبئ خلف السيارات ويشعر بأنه يلامس السماء كلما تأرجح، هذه المشاعر الصغيره الدفينه في داخلنا هي التي تجعلنا أجمل وتجعل العالم أفضل.

 لن نستطيع إبداع وإختراع شي جديد جميل في الحياة دون تنمية مخيلتنا، لن نستطيع أن نكتب أجمل الروايات، القصص، الكتب والأشعار، لن نرسم أجمل اللوحات، أو نعزف أرقى المعزوفات الموسيقية دون ذلك الخيال والدافع الذي يجعلنا نؤمن بأننا نستطيع.


لن نتقن لغة، أو نسافر حول العالم أو بداخل أنفسنا، لن نركب أمواج البحر ونشارك في الألعاب الأولمبية، نخترع دواء جديد، نرقص، أو ننسق ثيابنا إن لم يتحول هذا الخيال إلى شغف.

لن نصنع أجمل الأفلام السينمائية أو المسلسلات الدرامية إلا حين نشعر ونتقمص وجدانيا بتلك الشخصيات التي إبتدعناها، لن نستطيع النهوض من جديد بعد كل حرب، مأساة، فقدان للأحبه بعد كل فشل و صدمة إن لم نكن على إستعداد بالتمسك بخيالنا الجامح الذي لا يعرف الحدود، لم تصنع البشرية ملايين من الأمور إلا بعد التخيل، الحلم والعمل بجد لتحقيق ما تخيلناه.

لنستثمر مخيلتنا فهي كفيلة بتحريررنا من كل القيود التي وضعناها لأنفسنا حين كبرنا، لنحرق المناهج الدراسية التي لا تشجع على التفكير،النقد، إبداء الرأي والتخيل.

فليدرك الأهل أهمية الإستماع لأحلام أطفالهم دون إحباطهم والقول لهم بأنهم لا يفهمون شيء بعد، لنشجع القراءة ونحطها ضمن أولوياتنا للحفاظ على ذاكرتنا وتنميتها.



الطفل الذي بداخلنا هو مصدر قوتنا الدائم لهذا علينا بكل بجدية وإنسانية الإهتمام بمصير الأطفال في مناطق النزاع، علينا أن نحمل على عاتقنا توفير بيئة مناسبة لكل الأطفال في العالم، ليكونوا أحرار يفكرون يحلمون دون قيد أو خضوع لأحد.

لنفكر خارج كل الصناديق، وإن أتهموك بالردة، وأعلنوا أنك تستحق الجلد، الإعدام، قرروا نفيك ولقبوك بالغريب، لأنهم يخافون من الفكره الجديدة أن تهز عرش مصالحهم، لا تتردد لأن الفطرة السوية السليمة للإنسان لا تفكر، تحلم، تتخيل وتتمرد إلا من أجل الخير للإنسانية.

لنحلم بأن نجعل العالم مكان أفضل للعيش به، تتوقف فيه الحروب، الجشع، المجاعات والكراهية...ولنسعى من أجل تحقيق كل هذا.

*في الختام أشكر الكتب التي علمتني التخيل، لطالما تخيلت بفضل القراءة عالم ينافس ويتفوق على أفلام السينما.

*كل الصورالمرفقة في النص هي صور أرشيفية 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".