الله يستر عليكي

  

بقلم: ديمة الحاج يوسف

تتخلص من الألم بالسخرية منه، حينها تشعر بأنك طرحته أرضا في العشرين  نعتقد بأنه عمر الأحلام والفرص والجنون المباح، ولكنه في بعض المناطق هو  عمر يهددك بالعنوسة والخرف وكبر السن أيضا!.


 أتذكر جيدا حين ضحكت من الصدمة وأنا أتخبط عشوائيا بين القنوات المتراصة، لأجد قناة تختص برسائل المشاهدين والأغاني، لأقرأ رسالة فحواها شاب يطلب الزواج من عجوز عمرها 25 سنه!.

بعد تخرجي الحديث من الجامعه بدأت وتيرة الكلمات تزداد وأهمها "الله يستر عليكي"، فطالما حصلت على  الشهادة، لم يتبقى سوى العريس في حياتي، لأتفرغ له، كنت في البدء أستفز من هذه الجمله، ثم تصاحبت معها، حين سمعتها بلسان كل إمرأة جاءت تبارك، مع كل رشفة شاي، مع كل خروج عابر إلى الشارع، بصوت حارس الأمن، بدعاء سائق المركبة لي بهذه الجمله.

سأبتسم ببلاهة كلما ناشدتني إمرأة بقولها "مش ناوية نفرح فيكي" "يلا شدي حيلك" "عقبال بيت العدل" "وعقبال ما نشوفلك عريس" "ما ضل بالميدان غيرك يا حميدان" ويتابعون "لهلا لسا قاعده بوشنا" "اللي قدك صار عنده أولاد" وشبيه لها "كل بنات الحاره تزوجوا وإنتي لساتك قاعده" وحين يعلمون بأنني آنسه يتنهدون لعدم إرتدائي الخاتم ويقولون بحسره "الله يجبر بخاطرك".

 أدرك بأن الغالبيه تتفوه بهذه الجمل، عن حسن نية، ولكن تكرار نبرة  الكلمات على الفتاة تولد ضغط إجتماعي ونفسي عليها، وتجعلها تعتقد بأن هاجسها البحث عن عريس، دون الإرتقاء بنفسها في الحياه، ليرتقي المجتمع معها.

هذه الكلمات والجمل ليست مجرد دعوة تقال، وقد لا تعبر عن إهانة في ذات الوقت، ولكن تدل على دلالة رمزية لمجتمع يعتبر المرأة كائن ناقص دون الزوج الذي سيكملها برأيهم بالستر والعفاف.

 لطالما كانت لغة كل قوم هي إنعكاس لمخزونهم الثقافي المتوارث، وعالم اللاوعي لديهم، لأن نظرة المجتمع  لم تتحرر بعد من فكرة إختزال الشرف والعيب والعار والحياء بالمرأة دون غيره، وحصر صورة إثبات الذات، والنجاح، وتحصيل النقود، والإستقلال في الرجل.

الصورة النمطية لدور المرأة اللادور له سوى التهميش في الأغلب، برر للقائلين بأن الستر والهداية والإبتعاد عن الضلال لا يتمثل إلا بالزواج، يقول مصطفى حجازي في كتابه (التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور) بأن الإنسان المقهور في حالة دفاع دائم ضد إفتضاح أمره...همه الأول إجتياز الإمتحان والإحتفظ ب"السترة".

.يضيف حجازي "إن رقي الرجل رهن بارتقاء المرأة، تلك حقيقة تفرض نفسها على الواقع ولا مجال للمكابرة فيها. والمرأة المقيدة تشكل قيداً صريحاً أو خفياً لانطلاقة الرجل.

ختاما من المؤكد بأن الحياه تصبح أصعب من غير رفيق، نتشارك معه مراحل الحياة بمرارها وجمالها، ليكونا سكن لبعضهما بالمودة والرحمة.

لكن لا يرتبط الزواج بقطار العمر الذي يحدده المجتمع لك، بل برفيق العمر الذي يجب أن تختاره لأنه يستحق أن يكون رفيقك، دون أن تشعر بأي تهديد أو ضغط، دون مجاملات حتى لا يتلطخ ثوب الزفاف بالدموع ليرضى الآخرون.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

البلدة القديمة في نابلس..تروي حكاية تاريخ عريق