تقتلونا مرتين

 بقلم: ديمة الحاج يوسف

                          صورة أرشيفية 
تصادفني مئات المقالات يقولون فيها بعصبية وحمية بوجوب تبني طاقات الشباب وإبداعاتهم، الذين يشكلون قطاع كبير من المجتمع بإعتبارهم صناع المستقبل، وما دون ذلك من المقدمات الثرثارة التي لا تسمن من جوع، وسمعنا لها حتى التخمة!.

من تجربتي البسيطة بعد تخرجي الحديث، وإعتباري من ضمن العاطلين عن العمل حاليا، أتذكر ما يفوق المائة والخمسين رسالة التي أرسلتها على مدى ستة أشهر، لمؤسسات الإعلام في فلسطين والوطن العربي، ليقدموا لي فرصة أستطيع بها إثبات جدارتي في العمل الصحفي، لم يبلغني سوى إثنين بإعتذار بعدم وجود شاغر، والباقي كفن بالصمت


وحين أتواصل مع أحد من رجال الإعلام الذين ترفل كتاباتهم على حائطه الإفتراضي في موقع التواصل "الفيسبوك" بالدعوة لتبني الشباب، يتجاهلني ويكمل كتاباته عن الوطن، الشباب، وسرد النكت!.


أصبح الجميع يريد أن يجعلك تقبل الواقع، بأنه حقيقة لا تستطيع الفرار منها، لتبدأ بسماع النصائح بضرورة الزواج، أو الجلوس في البيت دون أمل الحصول على فرصة، ويقولون لي ما الذي إختبرته مقارنة بغيرك، عادي جدا ما يحصل لكِ، ولدي أو إبنتي، لهم ست أوعشر سنوات في البيت دون عمل، ، أصبح العمل شيء غير إعتيادي! والبطالة أمر طبيعي وصحي ويجب التكيف معه!.


أدرك بأن أعداد الخريجين كبيرة، والمنافسة صعبة وعالية المستوى في سوق العمل، وتتطلب من الشباب مؤهلات عالية، ولكن أدرك في ذات الوقت بعدم وجود خطط وهيكلية منطمة واضحة الملامح لإستيعاب الشباب في سوق العمل.


 حيث يقتصر سوق العمل على المدن، أو على العواصم وتهميش مجحف لبقية المناطق، ناهيك عن الفساد الإداري من محسوبية، واسطة، بطالة مقنعة، وعدم تأهيل الشباب في المدارس والجامعات لسوق العمل، لهذا لا يتم تقديم فرص حقيقية وعادلة لشباب لتنمية مواهبهم، وتدريبهم دون سرقة أفكارهم، وقتل أحلامهم.


أدرك بأن غالبية المؤتمرات والندوات حول أوضاع الشباب ما هي إلا ستار سميك يمثلون به الإهتمام وجدية الإسراع بإتخاذ آليات لتغيير أوضاعنا، أدرك بأنه تنفق على هذه المؤتمرات الضخمه ما يقوم بتبني عشرات ومئات الشباب، وكل التوصيات التي يخرجون بها منذ سنين مستنقع للمياه العكرة.
 
شباب الوطن العربي الذين يعيشون في أوطان تزخر بالخيرات، ولدينا من العقول والإبداعات والمواهب، ما يجعلنا في مقدمة الأمم في كافة مجالات الحياة، ولكن وفق تقرير (إسكوا) بأن المنطقة العربية تشهد أعلى نسبة بطالة في العالم.


 تشير التقديرات الى أن المنطقة العربية تحتاج الى 1.5 مليون فرصة عمل في العام لإستقبال الوافدين الجدد الى سوق العمل، وأفاد المدير العام لمنظمة العمل العربية أحمد لقمان ببلوغ نسبة البطالة في المنطقة العربية 16% لعام 2012.


 لا تعرف نشرات الأخبار عدد من يقتل يوميا بالإحباط، القهر، فقدان الكرامة والشعور بالعجز والفراغ، لهذا تعجز عن إحصائهم وتكتفي بعد من يقتل في الحروب والمظاهرات مطالبا بالعدالة الإجتماعية، الكرامة، المساواة، لنقتل إما بالنسيان، أو بتحويلنا إلى رقم في سجلات الإحصاء.


محمد بو عزيزي، الذي أحرق نفسه من أجل مصادرة سلطات البلدية في مدينة سيدي بو زيد لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه، الشاب التونسي العربي الذي يشبهنا في ملامح الوجه، متحدين بذات الألم، الحلم والغضب.


بوعزيزي توفي في عمر السادسة والعشرين، إنفجر الغضب العربي جراء حرق بو عزيزي نفسه، لأستذكر مقولة الروائي الفلسطيني غسان كنفاني "قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت..إنها قضية الباقين".


أؤمن بأن المستقبل لشباب، ومهما قامت الحكومات الديكتاتورية بإذلال الطبقة الكادحة وقمعها لضمان بقائهم صامتين خائفين، ستنفجر أنبوبة غضب شبابنا بوجههم العفنة وتشوه فسادهم.


فليتذكر المتخمين بفسادهم، بأن الإنسان لا تموت لديه غريزة البقاء، ويدفع لحرق نفسه، قبل أن يموت كل شيء بداخله، ويتحول إلى شيء أوقيمة بخسة، ولكن فليعلموا بأن غضب العاطلين عن العمل من الشباب لن يجعل الفرد يحرق نفسه، بل سيحرق جميع الحكام والمؤسسات الفاسدة وكل من يساهم في تعطيل كل هذه الطاقات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

البلدة القديمة في نابلس..تروي حكاية تاريخ عريق