سنيريا وبيت أمين.. تاريخ عريق وكنوز مدفونة


قلقيلية- تقرير معا - هناك أماكن إن مررت عنها دون أن تتوقف وتسير بها وتسمع حكايات أهلها، ستشعر فيما بعد بتأنيب لضمير، وتتساءل كيف فاتك كل هذا؟ هناك أماكن لا نلتفت إليها ولا نسمع عنها إلا ما ندر، قد نخطئ في لفظ أسمائها، نعبر عنها مسرعين بمركباتنا فنغدو كعابري السبيل، ولكن حين نتوقف قليلا ونعرج إليها، فاعلم حينها بأنها إستوطنت ذاكرتك وقلبك، لتروي لنا حكايتها.

بدأت حكايتي في جولتي الأولى ضمن مشروع الإعلام الريفي الذي نظمته شبكة معا تحت إشراف الإعلامي رائد عمر، لنسلط الضوء على قرى فلسطين التي لا نعرف الكثير عنها، لتكون رحلتي الأولى في قرية سنيريا وبيت أمين إحدى قرى محافظة قلقيلية.


ليحدثنا رئيس المجلس القروي في سنيريا نبيل طه عن إسمها الذي يعود لمؤسسها الشيخ عيسى السنيري الذي قدم من الشام وسكن بها وتفرع من ذريته اربع عائلات (الشيخ -عمر – احمد - يونس) مما ميزها بديوان واحد لكل القرية، ويقال أن اسم البلدة لعلها محرفة من كلمة الأشوريون والكنعانيون (سنير) بمعنى السنا أو النور والدرع.

وتمتد أراضي سنيريا الى أربعة قرى وهي سنيريا, بيت أمين، عزون عتمة, وبديا، لهذا تعتبر الأراضي التابعه لسنيريا من أخصب أراضي فلسطين، حيث يعد زراعة الحمضيات واللوزيات والزيتون والزعتر مصدر دخل أساسي لسكانها، ولكن إبتلاع الجدار مساحات شاسعة من أراضيها، وإحاطتها بالمستوطنات، قلل من الدخل الإقتصادي لهم، مما دفع الكثير للعمل في داخل الخط الأخضر أو في المستوطنات لإعالة أسرتهم.

سنيريا يتواجد بها ثلاثة مساجد، ومرفق صحي، تفتقر للنوادي بكافة أشكالها، ومن المثير للإهتمام وجود ثلاث مدارس بها، ولكن تكمن المشكلة بوجود مدرسة واحدة للفتيات تضم الإبتدائي حتى الثانوي، مما دفعنا لزيارة المدرسة ومقابلة مديرة مدرسة "بنات سنير" هالة عودة، لتحدثنا عن العنف الذي تمارسه الفتيات الكبار على من يصغرهن بالسن في المقصف وساحة المدرسة الضيقة، ونوهت عودة بتوفر الأرض لبناء مدرسة عليها، ولكن التربية والتعليم لم توفر مساعدات مالية لبناء المدرسة.

غادرنا المدرسة، لنرى الأماكن الأثرية التي تزخر بها القرية التي يعود تاريخها إلى ما يزيد عن الالف عام، وهي تسمى بالبلدة القديمة، لتسير عبر ممراتها الضيقة والتي تعود إلى العصر الروماني وما قبله، لأرى في نافذة ضيقة جماجم بشرية وعظام لموتى، إختلفت الأقوال لمن تعود رفاتهم بين أهل الكهف والأولياء الصالحين أو جنود دافعوا عن البلاد ضد الصليبيين.

وستشم رائحة الخبز والتاريخ في البيوت بحجارتها المتراصة، وأبوابها الخشبية، لنفاجئ بوجود بعض الأهالي التي تسكن فيها لغاية الآن، أما بقية البيوت فهي كالأطلال التي تتحدث عن حكاية لا تجد مروج ومستمع لها محليا أو دوليا! وكنا كلما دخلنا لأحد هذه البيوت الفارغة نشعر بالراحة وذلك لبرودة البيوت مقارنة بدرجة الحرارة المرتفعة في الخارج، ستنبهر بجمال قبابها وأقواسها، ولكنك لن ترى في الداخل سوى أعشاش الحمام وبيوت العناكب وحجارة متراكمة تنهار من الأمطار يفصلها عن بعض الكثير من الحشائش الضارة.

ليكن أخر معلم نزوره هو مسجد سنيريا القديم الذي يعود إلى عام 777 هجري، وفيه ضريح مؤسس القرية عيسى السنيري مع أفراد عائلته، وعرفنا بأنه في السابق حتى عهد قريب كان أهل البلدة يطلبون بأن يدفنوا في غرفة واحدة عميقة تقع أسفل المسجد القديم.

بعدها ركبنا حافلتنا ولكن لم نبتعد كثيرا، لنعبر بقرب بيارات البرتقال والليمون، التي تفترش الطريق برائحتها الزكية، لنصل إلى قرية بيت أمين التي سميت نسبة للبيت الآمن، لنزور رئيس المجلس القروي تقي عمر، ليحدثنا عن عدم وجود عيادة صحية في القرية، وتوفر الإغاثة الطبية كل خميس فقط، مما يدفع سكان القرية لتطعيم أولادهم في قرية عزون عتمة، حيث ناشد عمر وزارة الصحه بتبرعه بتوفير مكان للعيادة الصحية، ولكن وفق لقوله ردت الصحة بعدم وجود كادر طبي كافي.

ويشتكي تقي الدين من وجود مدرسة للإبتدائي والإعدادي واحدة مختلطة، بمساحتها الضيقة التي تبلغ دونم و300 متر، لحوالي 300 طالب، وبالرغم من قيام أهل القرية بتوفير قطعة أرض بمساحة ستة دونمات لبناء مدرسة، إلا وأنه لم يأتي التمويل بعد، ليضطر الطلاب للذهاب إلى مدرسة تقع وراء الجدار في قرية عزون عتمه.

تحدث أيضا عن تفشي مرض سرطان الدم بنسبة كبيرة في القرية، وذلك يعود لزيادة أعداد السكان مما ترتب إلى زيادة الحفر الإمتصاصية التي تصب في وادي القرية، بالإضافة إلى مخلفات النفايات التي لم تنقل إلى مكب زهرة الفنجان سوى قبل ثلاث سنين.

وتعد الزراعة مصدر الدخل الأساسي في القرية، وتشتهر بزراعة الزعتر الذي يلقب "بالدولار الأخضر" الذي يدر دخل كبير على زارعيه، بالإضافة للبيوت البلاستيكية و زراعة الحمضيات ويتم تصدير الليمون منها للأردن، وفي القرية يشمر أهلها سواعدهم للعمل في الأرض كلا من الرجال والنساء يد بيد.

قبل الغروب إنتهت جولتي الأولى في قريتين من قرى فلسطين، الممتلئة بالكنوز التاريخية والحضارية والثقافية، في الختام لنلقي نظرة على قرى بلادنا، لنحفظ أسمائها ووجوه أهلها، لنروي لبعضنا حكايتها، وندعمها، ونروج لها محليا وعربيا ودوليا..قرى فلسطين هي الهوية التي إن لم نعتني بها، سنتهمش جميعا في ملفات التاريخ.
------------------------------------------------------------------------
 
أعدت التقرير : ديمة الحاج يوسف ضمن مشروع الاعلام الريفي




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

البلدة القديمة في نابلس..تروي حكاية تاريخ عريق