حرب نفسية بين إسرائيل والمقاومة
إعداد: ديمة الحاج يوسف
في الحرب النفسية يتم استغلال عاطفة الخوف لإرهاب الشعوب وإخضاعها،
فإستخدام مصطلحات مثل نحن جيش لا يقهر، لا تفكر حتى بالمقاومة، تهدف لتشكيك الطرف
الآخر ومبادئه.
ناهيك عن تفريق صفوفهم ونشر الفوضى بينهم، حتى يعتقدوا بأنهم
الضحية الأخيرة المتبقية في المعركة، من خلال إطلاق الشائعات والمبالغة فيها، وبث الفرقة بين الطوائف
والمذاهب، وتوظيف كل وسائل الإعلام محليا ودوليا للوقوف ضد الجانب الآخر، لإثارة
مشاعر الخوف وحشد الرأي العالمي.
وبالتالي يتضمن تعريف (الحرب النفسية): الاستعمال المخطط
والمُمنهج للدعاية ومختلف الأساليب النفسية، للتأثير على آراء ومشاعر وسلوكيات العدو
بطريقة تسهل الوصول للأهداف. كما أنها وسيلة مُساعدة لتحقيق الاستراتيجية القومية للدولة.
وتُشن في وقت السلم والحرب على السواء، وتُستخدم فيها كل إمكانيات الدولة، ومقدراتها
من سياسية، واقتصادية، وعسكرية وإعلامية.
وانهمكت صفارات إنذار الإحتلال خوفا من المقاومة الفلسطينية بكافة أطيافها السياسية، حيث تعرضت المدن والبلدات "الاسرائيلية" المحيطة بقطاع غزة مرورا بمدينة اسدود وصولا الى تل أبيب لوابل من الصواريخ. وهزمت صواريخ المقاومة "القبة الحديدية".
في الوقت نفسه تلاحظ التمسك بسياسية الصمت والتعتيم الإعلامي الكامل عن أي تصريحات
سياسية رسمية، وتمسك الاحتلال بأي معلومة أو تصريح ويبني عليه بعض
السيناريوهات أو التقديرات الأمنية والميدانية.
بالإضافة إلى الإغتيالات أو اعتقال أعضاء المجلس
التشريعي، ونشر منشورات تحرض على المقاومة وإجراء إتصالات مع الفلسطينيين
لتهديدهم أو أمرهم بإخلاء منازل قبل دقائق قليلة من نيتهم لقصف المنازل.
في حين أبدعت المقاومة، ولا سيما كتائب
عز الدين القسام الذراع المسلح لحركة "حماس" بتوظيف الحرب النفسية
لصالحها ضد إسرائيل، لبث الرعب والذعر فيهم، ولتهويل قوة المقاومة، وتقزيم
الاحتلال.
في سبيل هذا أطلقت "كتاب القسام" موقعها الالكتروني على شبكة الإنترنت
باللغة العبرية، بإعتباره أول موقع فلسطيني مقاوم ناطق بالعبرية على شبكة الانترنت.
وقالت الكتائب في تصريح صحفي بضم الموقع بيانات، مقاطع فيديو، أخبار عاجلة، تقارير
وأخبار حول سير العملية العسكرية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
إضافة إلى خطابات، بيانات مصورة ومكتوبة
للكتائب، ألبوم صور يضم صورًا لجرحى وقتلى العمليات الإسرائيلية السابقة من المدنيين،
إلى جانب صور الدمار الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي في غزة.
ويحمل الموقع اسم “العصف المأكول”
وهو الاسم الذي أطلقته كتائب عز الدين القسام على تصديها للعملية العسكرية الواسعة
التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة.
أيضا نشرت كتائب عز الدين القسام كيفية اختراقها لترددات القناة الثانية الإسرائيلية
بالفيديو، ثم بثها لرسائل موجهة للإسرائيليين.
في ذات السياق قال عزت الرشق، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، في تغريدة له
عبر حسابه الشخصي على التويتر، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومن حوله
سيلعن اليوم الذي وجد فيه في فلسطين.
وزلزلت حركة حماس الكيان الصهيوني،
حين نشرت النسخة العبرية من أنشودتها الحماسية "زلزل أمن إسرائيل" في إطار
الحرب النفسية التي تشنها في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وتقول الأغنية العبرية، التي ترافقها ترجمة عربية "اهجم نفِّذ عمليات،
هز كيانهم واجعله يضطرب، اقتل كل الصهاينة، زلزل أمن إسرائيل، تقدَّم واحرق معسكراتهم،
زلزل أمن إسرائيل، وأشعل فيه بركانًا".
وبات الإرتباك واضحا في وسائل الإعلام الاسرائيلية، حيث نقلت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي عن رئيس
جهاز الموساد السابق قوله: إن الجيش الإسرائيلي يجد صعوبة بالغة في استهداف منصات إطلاق
الصواريخ وتحديد الأهداف في قطاع غزة".
مضيفا أن مطلقي الصواريخ في غزة كأنما
يطلقونها من جيوبهم، فلا يتركون أثرا ولا يتركون مجالا حتى للتخمين عن مكان عملياتهم،
وجميعهم يعملون بنفس الطريقة، كأنما من دربهم شخص واحد".
وظهرت لغة التهديد والوعيد في خطاب المقاومة، على سبيل المثال قال د. محمود
الزهار، القيادي في حركة حماس، "إن حماس فتحت من خلال معركتها الحالية مع الاحتلال
الإسرائيلي صفحة جديدة وأن على إسرائيل أن توقع عليها مرغمة".
بناء على ما ذكر، يؤكد خبير الشؤون الإسرائيلية انطوان شلحت، بأن الحرب
النفسية تلعب دورا كبيرا سواء من قبل المقاومة أو الاحتلال. ويتابع بأنه من الصعب
تقدير تأثير الحرب النفسية على "إسرائيل" وذلك لأن المؤسسة السياسية
والعسكرية في "إسرائيل" تمارسان قدرا من التعميم الإعلامي الكبير على
آثار القصف التي تتعرض له ما يسمى بجبهة إسرائيل الداخلية.
ويعتبر شلحت، وسائل الإعلام
الإسرائيلية المكتوبة، المسموعة، المرئية متواطئة مع التعميم، لتقليل أثر الحرب
النفسية إلى الحد الأدنى.
ويضيف خبير الشؤون الإسرائيلية، بأن مجالات التعميم أولا
على إخفاء الأضرار الحقيقية التي يلحقها القصف الصاروخي في الأملاك والإصابات
البشرية، ثانيا الخسائر الاقتصادية التي ترتبت على القصف.
في الوقت نفسه، يرى انطوان شلحت، بأن الحروب الجديدة هي حروب الشاشة أكثر
من الميدان، ذلك بسبب ثورة الإتصالات الحديثة، حيث أصبح بإمكان المواطن العادي أن
يعيش ويتأثر بما يجري، مما أدى إلى إرتفاع منسوب الحرب النفسية لدى المشاهدين.
وينوه بأن المقاومة باتت تدرك أهمية الحرب النفسية بعد العدوان على غزة عام
2006. ويختم قوله بإن الحرب حين تضع أوزارها سيكون هناك مجال لتقييم الوضع،
إستخلاص النتائج، ونقد ما حصل لتعلم من الأخطاء.
ختاما لم تكن الحرب النفسية حديثة يوما، بل هي قديمة قدم التاريخ. وما زال
المنتصر هو من يدرك كيف يوظف أدوات الحرب النفسية بمهارة ، حيث يقول نابليون
بونابارت "أن الروح المعنوية هي ثلاثة أرباع عوامل النصر".
تعليقات
إرسال تعليق