هبوط في الدراما العربية

بقلم: ديمة الحاج يوسف

 أود تشبيه الدراما العربية بتخطيط القلب الذي يتصاعد تارة ويهبط تارة أخرى، لهذا سأتحدث عن بعض التناقضات الدرامية التي لا تمت للذكاء والواقع بصله.

                                              صورة أرشيفية
 أستغرب حين أجد الممثله في بعض المسلسلات تصحو من نومها والمكياج لم يتلطخ على وجهها، بل لا تحتاج لعدسة مكبرة لترى كم نسبة المكياج الذي تضعه على وجهها بلا رحمه حتى حين تنام!.

 وأكثرها غرابة حين ترى شعرها الإنسيابي مصفف، لا يوجد شعره أخطأت سيرها وتطايرت هنا وهناك.

وبعض المسلسلات التي تعرض في بداية المسلسل أحداث معينه ثم بعد خمس حلقات، تمضي عشرون عاما، والطفل الصغير يصبح في الجامعة، ولكن أمه وأبوه ما زالوا بعمر الثلاثين، بشعر ابيض على رؤوسهم ويخلو وجههم من أي تجعيدة.

                        
                                                   صورة أرشيفية

نظرية (بناء المعنى) في الإعلام تنص بأن "كل وسيلة إعلام تسعى لتشكيل معناها الخاص على الحدث وبالتالي لا يبقى الحدث حدثا، وإنما فهم وسيلة الإعلام للحدث هو الحدث".

 وسائل الإعلام تقدم للجمهور ما تريده وليس ما يحتاجه ويتطلبه الجمهور، وإختيار وسائل الإعلام لجزيئات من الأحداث وتعميمها، تؤدي إلى تصوير "الواقع" كما تراه وسيلة الإعلام، لا كما يراه المشاهدين، حيث يتشكل الحدث بناء على فهم وسيلة الإعلام للحدث، خصوصا مع تجنيد هذه الأفكار بقادة الرأي كالفنانين مما يسهل إستقبال وتبني هذه الأفكار لدى الجمهور.

لهذا تضج الشاشة العربية في الوقت الحالي بالكثير من " فنانات البلاستيك"  وكأنهن دمى خرجوا من المصنع حديثا.

يجعلن المخرج والمنتج بغاية السعادة لإعتقادهم المؤكد بأنهم سيجنون الربح الوفير من هذه المواصفات بذلك الطول المعين، ومحيط الخصر، وحجم الشفتين وما دون ذلك.

 موجة الدراما التركية جعلت عدد لا بأس به من المخرجين يحذوون حذوهم، فنجاح "العشق الممنوع" وغيره، جعلهم ينقبون على قصص تتحدث عن الإثارة والتمويه وحيل الإخفاء في كيفية إقامة علاقة محرمة بذكاء!.

 الإنحدار الأخلاقي وقيم التجارة لبعض الكتاب والمخرجين والمنتجين جعلهم يجدون سوق لحثالة الأفكار التي لا تعكس المجتمع أو تنهض به!.


وحين ترى مسلسل يتحدث عن حقبة تاريخية معينه من الزمن مثل المسلسلات الشامية القديمة، يقوم المعدين على المسلسل بترسيخ الأفكار التي كانت قائمة أكثر من توضيحهها وتقديم بديل لها، فيجعلون المشاهد مخدر يتحسر ويتمنى رجوع عنترة تلك الأيام الجميله لذلك المسلسل.

ولكن يغيب عن بالنا دور المرأة فيه التي لا تحصل على التعليم، لا تعمل، لا رأي لها، سوى أن تقول "أمرك يا إبن عمي" وتبتسم كالحمقاء لأنها رأت زوجها و "سندها" لأول مرة في حياتها يوم عرسها فقط.

وحتى حين يعتقدون بأنهم يحررون المرأة ويقدمون لها أدوار في تلك الحقبة، ما هو إلا دور محدود لا أهمية له، وذلك لأن المرأة تظهر حين يغيب الرجل، لتقاوم المحتل والخسيس.

 أما بوجود الرجل فعليها أن تراقب الطبخه كي لا تحرقها والإهتمام بزينتها والإجتماع مع نساء الحي من أجل إستكمال عملية الغيبة والنميمة التي برأيهم تتقنها بإحترافية، وستجد عشرات المسلسلات من هذا النمط الممل الذي لا يقدم أو يبدع بشيء جديد.


     
                                            صورة أرشيفية

الدراما العربية فقدت قدرتها على التخاطب مع جمهورها، وباتت مضيعة لثلاثين ساعه من عمرنا لا أكثر، وذلك لأنك في الحلقة الأولى ستعرف ما هي نهاية الحلقة الأخيرة، إفلاس العديد من الكتاب فكريا ، وجب عليهم أن يستقيلوا لبعض الوقت عل الأفكار تنضخ في دماغهم مرة أخرى بعد ركود ونمطية وإبتذال كثير يضج بالشاشة العربية.










تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

البلدة القديمة في نابلس..تروي حكاية تاريخ عريق