الحاجة أم الصادق من قرية الزاوية.. حكاية من حكايات الوطن

               صورة أرشيفية

سلفيت- تقرير معا - تأمل ملامحهم، وتجاعيد وجوههم لتقرأ جغرافيا الأرض وتاريخ الوطن، ففي عيونهم سترى شجرة زيتون عُصر زيتها في أعينهم، صافح أيديهم التي صبغت بحنة التراب، لتشعر بإنحناءات وتعرجات الأرض فيها، أنظر للون بشرتهم التي كساها الشمس ومشقة الحياة، من هنا بدأت حكايتي مع الحجة أم صادق من قرية الزاوية غرب سلفيت.
 
"يا كشيلي" كلمة فلسطينية تعبر عن قلة الحظ وإزدياد الحسرة، كلمة رددتها كثيرا الحاجة أم صادق وهي تتحسر وتبكي على الأرض التي نهبت من قبل الإحتلال عام 2004، واقتلعت أشجارها الرومية، حين قرر الإحتلال بناء جدار الفصل العنصري لضم والتوسع، لتروي بحسرة عن وقوفها أمام الجرافة الإسرائيلية في محاولة لمنعها من مصادرة وإقتلاع أشجار أرض جيرانها.


لتكتشف بعدها بقليل بأن الإحتلال في أرضها يدمر شجر التين، اللوز والزيتون، بمصادرة عشرة دونمات باتت داخل الجدار الآن، لتضع يدها على خدها وهي تستذكر زوجها الذي توفي قبل عامين، جراء الجلطة التي أصابته من الحزن والحسرة على الأرض التي فقدها.

أم صادق 82 عاما أصبحت تذهب لأرضها كزائرة، بعد التقدم بطلب الدخول عادة ما يتأخر الموافقة عليه، ليسمحون لها بالذهاب لوحدها، بالرغم من أن قطف الزيتون يحتاج لعدد كبير من العائلة.

 ناهيك عن الساعات المحدودة يوميا لفتح بوابة الزاوية، وهكذا يقوم الإحتلال بسرقة الزيتون بقطفه، أو بتهديد أصحاب الأرض بالسلاح لنهب محصولهم.

تقلب أم صادق كفيها بتذكر أرضها التي كانت تنتج الزيت والزيتون بوفره، أما الآن لا شيء، بسبب إجراءات الإحتلال في الأرض التي باتت تقع وراء الجدار.

 بالإضافة بأن الأرض المتبقية ولم يتم ضمها وراء الجدار، لم تحصد الكثير بسبب قلة الأمطار وحاجتها لرعاية والإهتمام من حراثة وتنظيف، ولم تعد صحتها تساعدها، حيث اضطرت لبيع دونم لتعمير بيتها المتهالك القديم.

حمدة عودة (أم صادق) تعمل في أرضها منذ السبعينات، لديها ثلاثة أولاد، وثلاث بنات، أولادها كبار في السن، يكدحون في العمل كعمال أو سواقين ليطعموا عائلاتهم، ولا يجدون وقت لتفقد الأرض.

تشكو الحاجة من آلام ظهرها، والجروح والتشققات التي في يديها جراء قطفها الزعيتمان من جبال رافات وبديا، وتجميعها لحبات الزيتون عن الأرض لبيعهم، كمصدر دخل لها مع مساعدة الشؤون لها كل ثلاثة أشهر ب 700 شيكل.

أرضها التي نظفتها من الحجارة والأعشاب، وغرستها وسقتها من عمرها قبل الماء، ترثي حالها بزجل شعبي بقولها "لاكتب سلامي على عرق الزيتونة وابكي واعيط على تعبي اللي تعمت فيه عيوني".

غطت وجهها بيدها ومالت برأسها قليلا، وهي تقول بأنها كانت "أم الطوابين" وذلك لمهارتها في بناء "الطوابين"، وأول من يصنعه في قرية الزاوية، لتخبز فيه المسخن، البطاطا، الجزر، الكوسا، والخبز... ولكن بسبب وفاة زوجها قالت بأن بعده كل شيء أصبح خرابا، لتضطر لبيع البقر، الخيل، لعدم قدرتها على الإهتمام بهم لوحدها، ليتم تدمير الطابون وشراء خبز من المخابز.

تعبر حمدة عن إستيائها من الخضروات التي لقبتها بالمسرطنه التي لا طعم لها، وتجد اللوف والخبيزة لا مثيل لهما. في نهاية حديثنا وقفت الحجة أم صادق صافحتها وقبلت وجنتيها، لتذهب وتصلي الظهر، وقالت لي تعالي في المرة القادمة لأطعمك من الزعتر الذي أصنعه بيدي، وأجعلك ترين ما تبقى من أرضي.

من الجدير بالذكر بأن قرية الزاوية تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة نابلس، يبلغ عدد سكانها 6 الاف نسمة، تعد في المرتبة الثالثة في منطقة سلفيت بعدد السكان بعد سلفيت وبديا.

يعتمدون بشكل أساسي على زراعة الزيتون، الخضروات والحبوب، ثم التجارة، وبنسبه قليلة يتم تربية المواشي والحيوانات، تبلغ مساحة أرضها ما يقارب 24000 دونم، (الدونم =1000متر) قد تسبب جدار الفصل بابتلاع ما يقارب 8000 دونم.

أعدت التقرير: ديمة الحاج يوسف ضمن مشروع الإعلام الريفي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".