الناشطة الشبابية دلال عوض وقصتها مع فايروس كورونا


إعلام المجلس الأعلى للشباب والرياضة/ ديمة ابو شملة



لم تتوقع دلال عوض في ليلة وضحاها أن تصبح هي الحكاية بعد أن كانت تسرد وتستمع لحكايات الآخرين، وذلك بعد إصابتها بفايروس كورونا (كوفيد 19) بشكل مباغت لم يكن في حسبانها وبالرغم من عدم ظهور أية عوارض عليها وأخذها العديد من اجراءات السلامة، لكنه تسلل إليها بشكل خفي وبلمح البصر.

ودلال ناشطة من بلدة بدرس غرب محافظة رام الله، أصيبت بالفايروس خلال اجتماع عمل في مؤسسة "رواد التنمية" مع عدد من الفتيات المتطوعات في البلدة، وبالرغم من مراعاة قواعد التباعد الاجتماعي وعدم المصافحة، إلا أنها أصيبت بالعدوى عن طريق فتاة متطوعة داخل المركز انتقلت إليها العدوى من خلال أحد أقربائها، وبمجرد أن ثبتت إصابته بالفايروس، هرعت المتطوعة للفحص ليتأكد إصابتها، وليتم أخذ عينات من كل من حضر الاجتماع.

وأقدمت دلال على إجراء الفحص في يوم الجمعة العاشر من أيلول، للاطمئنان وقطع الشك باليقين، ليلتها لم يغمض لها جفن طيلة الليل وهي تنتظر النتيجة على أحر من الجمر، واستيقظت على مفرقعات نارية وصخب وزغاريد لظهور نتائج التوجيهي ولم تظهر نتيجتها بعد، ومنعت نفسها هي وعائلتها من مشاركة أقربائهم فرحتهم إلى أن يطمئن قلبها.

وحين دقت الساعة الثانية ظهرا، أخبرها طائم الطب الوقائي أن النتيجة إيجابية، فابتسمت دلال وقالت له الحمد لله معناها لست مصابة! نسيت من صدمتها أن الإيجابي يعني أنها مصابة، حينها طمأنها كادر الطب الوقائي أنها بخير وستتعافى وكل ما عليها الالتزام بالتعليمات الطبية، حينها لم تنفعل ولم تكن درامية بل شعرت بالقوة والطمأنينة تتغلغل فيها.

وهرعت لتخبر عائلتها ليقوموا بإجراء الفحص، استقبلوها بدعم نفسي كبير دون هلع وتهويل، وأجروا الفحص وكانت جميع النتائج سلبية باستثناء شقيقة دلال التي انضمت لها في عزلتها في الغرفة، وأظهرت النتائج أيضا خلو كل من حضر الاجتماع في المركز من الإصابة.

حينها قام أفراد الأسرة بتخصيص حمام خاص لهما، وتهيئة الغرفة، وتوفير مواد التعقيم وكفوف وكمامات وغطاء للقدمين وأدوات بلاستيكية للاستعمال لمرة واحده، وتواصلوا معهما عبر تقنية الفيديو في الهاتف ليقدموا لهما الدعم النفسي ويقوموا على خدمتهما.

وفي اليوم الأول لمعرفة دلال بالإصابة بدأت عشرات الأفكار والأسئلة تتلاطم في داخلها، ومحاولات تذكير نفسها بمن خالطت طيلة الأسبوع، وكيف أصيبت بالعدوى وهي تلتزم بإجراءات السلامة، هل من خلال المكيف، هل حين قامت بتوضيب القرطاسية وإزاحة المقاعد والطاولات التصق بها الفايروس، لم تعرف أبداً.

ولم تستفق بعد من كل ما يحصل لها، إلا والاتصالات تنهمر عليها، ما بين داعم نفسي، وفضولي، وآخر يسخف كل ما يحصل ويؤكد أنها مؤامرة، بينما ردة فعل دلال كانت ثابته وإيجابية لم تتزعزع.

في الأيام الأربعة الأولى لم تظهر عليها أية عوارض، ثم الأعراض التي بدأت بالظهور كانت عبارة عن ألم في البطن، وصداع تتفاوت حدته، ودوخة، وسيلان الأنف، وألم في العضلات، وكتمت شعورها بأي ألم عن أهلها كي لا تثير خوفهم عليها.

وبدأت منذ اليوم الثاني بنشر يومياتها على صفحتها على الفيس بوك، لتتحدث عن تجربتها، مشاعرها، الأعراض التي تنتابها، تقديم نصائح، وبث رسائل إيجابية عن جمال بلدها ونسيجها الاجتماعي لتحارب ظاهرة الإحباط السائدة، بدورها تلقت ردود فعل تحفيزية جدا من متابعيها.

وفي اليوم الثالث تواصلت مع فريق العمل لتكمل ممارسة نشاطاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة لهم أنها بصحة جيدة. وثم في تتابع الأيام بدأت بالتسجيل في دورات "أون لاين"، واتخذت من هذا الوقت المتاح فرصة للتواصل مع أصدقائها القدامى، والتزمت بممارسة التمارين الرياضية، وتناول الطعام الصحي وأكثرت من شرب المياه، وكانت كثيراً ما تمارس رياضة المشي لكن على سطح البيت.

تقول دلال أنها تعلمت أن الصحة النفسية تساعد على بناء الذات وترميمها وتخلق تصالح وتوازن نفسي يدعم جهاز المناعة ويحسن من جودة حياة الفرد، وأصبحت أكثر وعياً بأهمية ممارسة الرياضة بانتظام، والتعامل مع المرض بحجمه الطبيعي كل حسب مناعته دون تسخيف أو تهويل، وأهمية قتل الفراغ واستغلاله بما ينفع.

وأكدت أن المرض ليس بالأمر المعيب أو المحرج، ولمحاربة ظاهرة التنمر على المرضى، كانت مسبقا قبل إصابتها قد أشرفت من خلال عملها على إطلاق حملة توعوية برزت بهاشتاغ "تستهتروش، بلدنا_مسؤوليتنا،
إيد_بإيد_ليجي_العيد" استعانت بالقصص الكتابية، والصور والفيديوهات، واستمرت بتعزيز الحملة بعد إصابتها.
في الرابع والعشرين من هذا الشهر تنتهي عزلة دلال، وستخرج إلى محبيها مجدداً لكن أكثر قوة من ذي قبل، ستخرج وهي مسلحة بحس عال بالمسؤولية المجتمعية، لتفتح نوافذ من نور لكل من لا يرى سوى العتمة في محيطها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

البلدة القديمة في نابلس..تروي حكاية تاريخ عريق