سبسطية سحر موقر مغلف بهالة من الحزن

بقلم: ديمة الحاج يوسف




إن أردت استنساخ قرية يونانية أو تونسية، أو إن رغبت يوماً في تجربة آلة الزمن والعودة للعصر الروماني والبيزنطي، كل ما عليك هو أن تستقل سيارة وفي غضون دقائق، على بعد 12 كم شمال غرب مدينة نابلس سوف تكون في قلب بلدة سبسطية   الساحرة بطبيعتها و الغنية بزخم آثارها وبزخرفة وبساطة بيوتها وهدوء أزقتها.


لسبسطية عدة مسميات على مر التاريخ، اطلق عليها الملك هيرود  اسم "سبسطي" أي "المبجلة" وغالبية المباني الحاضرة تعود لعهده، ايضا هي كلمة يونانية تعني "الموقر" وهذا هو الوصف الدقيق لأن شعور الوقار والهيبة يتسرب ويستوطن في قلبك وعظامك حين تراها.حيث سكن بها الكنعانيين، الآشوريين، اليونانيين،والرومان..لهذا تعتبر مدينة غنية بالتاريخ وبالتحف الأثرية.

زرت مع صديقتي بيان، المدرج الروماني فيها، شعرت بالصدمة والأسف للوهلة الأولى لرؤية الخراب "المصان" فيها، حيث رأيت حجارة مزخرفة وعملاقة وأعمدة متبعثرة في كل مكان ومدرج لا يكاد يرى، والأعشاب الضارة زحفت وامتدت بساحة المدرج تعيث قبحاً في كل مكان، وكتابات عبثية رسمت على جدران واعمدة التحفة الأثرية!.




 صعقت مما رأيت لأن مخيلتي الحالمة، رسمت وهيئت لعقلي أنني على وشك زيارة مكان شبيه بالمدرج الروماني الذي يقع في وسط العاصمة عمان في الأردن.

ابتلعت الصدمه، وتجولت في "المدرج الروماني" الذي يعود للقرن الثاني للميلاد، عندما أسس المدينة الرومانية الإمبراطور سيبتموس سيفيروس، واستخدمت سابقاً للمسرحيات التراجيدية والفكاهية، ومن التراجيديا في الوقت الحديث عدم الترميم والاهتمام الكافي بالمناطق التي تقع ضمن نطاق صلاحيات السلطة الوطنية الفلسطينية، ولا توجد أي جهود "ملموسة" للاكتشاف والتنقيب ضمن خطة محددة وواضحة الملامح للعثور ما لم يكتشف بعد وما زال مدفون في اعماق الأرض!.

المثير للاستغراب، أين المحاولات لضم بلدة سبسطية ضمن قائمة التراث العالمي المهددة بالخطر، للحفاظ على موروثنا الثقافي والتاريخي في أرضنا!. ومن أضعف الإيمان أين مساعي وزارة التربية والتعليم لزيارة طلبة المدارس هذا الموقع والتعرف عليه، ولماذا تركز غالبية الرحلات المدرسية إلى المناطق التجارية من منتزهات ومدن ملاهي فقط أين التعبئة الثقافية التي يجب أن تمارس دورها على أكمل وجه إزء الاحتلال الإسرائيلي الذي يتقن كافة أساليب الحيل والتحريف والتشويه والسرقة للتاريخ والهوية!

ولا ينكر أحد محاولات الاحتلال الإسرائيلي الدؤوبة لتشويه هذه الآثار وتحريف تاريخ سبسطية، وإجراءات المحتل التعسفية في عمليات التخريب والتدمير، حيث يسيطر الاحتلال على حوالي 50% من أراضي البلدة،

والمؤسف في الأمر عدم استفادة اهالي سبسطية من آثار بلدتهم وتاريخها من  الناحية الاقتصادية، أين المهرجانات والفعاليات التي تقام على أرض المدرج الروماني لإثبات وجودنا وأحقيتنا بهذه المنطقة!.

بعيدا عن التساؤلات الكثيرة والمشاعر المؤسفة،  غادرت منطقة المدرج، وسرت في شوارع  البلدة المثقله بالوقار والجمال حيث الورود تزين شرفات المنازل وتتدلل على الجدران، والهواء العليل في نوفمبر يحيط بك وتقف على تلة لتمتع ناظريك بمشهد البيوت البعيدة  وأشجار الزيتون الممتدة والتلال المرتفعة والجبال الشاهقة من بعيد.


 زرت ايضا بصمة الأثار الإسلامية  في وسط البلدة قصر الكايد تحفة معمارية مشبعة بالأصالة تشبه قصور الأندلس، وفيه مسجد بناه السلطان صلاح الدين الإيوبي حينما فتح القدس، و يحتوي على ضريح النبي يحيى عليه السلام،حيث  أن الرواية التاريخية تقول " أن الملك " هيرودس انتيباس " قتله عام 30 للميلاد قرب البحر الميت ونقل جثمانه إلى هنا.

سبسيطة بلدة هوائها عليل، وتاريخها عريق، وطبيعتها تسحر الألباب، وإذا كنت من المؤمنين بنجاعة بالمقاومة السلمية والفكرية، انهض من مقعدك وقم بزيارة سبسطية. 







تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".