مدينة السلام يحولها ماراثون فلسطين الدولي إلى قرية عالمية صغيرة


إعداد: ديمة ابو شملة


استطاعت مدينة جذورها ضاربة في التاريخ لما يزيد عن أربعة الالاف عام، وبمساحة لا تتجاوز 22 كم، يمتزج فيها عبق التراث، الأديان والسلام، وتحمل نزق الحب والثورة، بالتحول إلى قرية عالمية صغيرة الحدود الجغرافية.

تهزم جدران العنصرية والفروقات والقوميات ليتوحد فيها العالم للإنتماء إلى الإنسانية تحت شعار "اركض من أجل الحرية" وذلك من خلال إحتضان مدينة بيت لحم ماراثون فلسطين الدولي بنسخته السابعة برعاية المجلس الأعلى للشباب والرياضة.

وأينما تسير خطاك في ساحة المهد المحاطه بهيبة كنيسة المهد، كنيسة القديسة كاترينا، ومسجد عمر بن الخطاب، بالإضافة إلى مركز السلام، وبلدية بيت لحم، سوف يتطرق إلى مسمعك لغات لا تعد ولا تحصى، وذلك بمشاركة ثمانية الالاف مشارك، وخمسة عشر ألف من الحضور يتوافدون من كل حدب وصوب لترى مزيج مختلف متميز بملامحهم ولون بشراتهم وقاماتهم المتباينة، ففيها رياضيين، عائلات، عرب وأجانب من 76 دولة، بمشاركة متميزة من أصحاب الهمم من ذوي الإعاقة، احتشدوا جميعهم لينطلق المشاركين ضمن  الفئات التالية سباق 42 كم، 21 كم، 10 كم ، 5 كيلو.

ويمتد السباق من شارع المهد، وجدار الفصل العنصري ومخيم عايدة وشارع القدس الخليل، مرورا بمخيم الدهيشة وصولا إلى منطقة "النشاش" على المدخل الجنوبي لبلدة الخضر وبرك سليمان، ومن ثم العودة إلى نقطة البداية، بما تحمله هذه الأماكن من تجليات ورسائل إنسانية فلسطينية.

*عائلات تعزز روابطها الأسرية وأفراد يحققون ذواتهم وذوي الإعاقة لا يعيقهم شيء


في ظاهرة ملفته للإعجاب يشارك المستشار المالي الدكتور شادي حمد من نابلس، للمرة الثانية في ماراثون فلسطين الدولي مع أولاده الثلاث، بمسار21كم ومن اللافت بأن هذه العائلة لا تقتصر مشاركتها الرياضية على المشاركة في الماراثونات، بل يعتبر طقس من طقوس العائلة، حيث لديهم قاعة رياضية بمنزلهم ويمارسون التمارين الصباحية اليومية مع زوجته وطفلتهم وأولادهم، حيث يصطحب حمد أولاده كل يوم جمعه للتجول ركضاً في كافة محافظات الوطن، بهدف تعزيز روابطهم الأسرية وتنمية الوعي الجغرافي والتاريخي ونشر ثقافة التجوال المحلي في محيطهم الاجتماعي، وتحقيق هدف الركض مسافة 1000 كم سنويا.


وفي الساحة تقف ثماني طليعات من مخيم الدهيشة يتحدثن بحماس عالي لمشاركتهم ما بين المرة الثانية وإلى الرابعة في الماراثون بمسافة 5-10 كم، ومن غزة أرض العزة وتحديدا من بيت لاهيا، حصد العداء ابراهيم البدي 19 سنة للمركز الثاني على فلسطين والرابع على المستوى الدولي بسباق 21 كم، ويعبر عن شعوره بالأسف والمراره لمنع الاحتلال الإسرائيلي له للمشاركة لما يقارب من 15 بطولة خارجية وداخلية، وحرمانه من المشاركة في بطولة العالم والعاب القوى بالرغم من ترشحه فيها. 

ويشكر رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة اللواء جبريل الرجوب لنهوضه بقطاع الرياضة في فلسطين ولدعمه بكافة السبل الرياضيين. يشار أنه اقتصرت مشاركة أهل غزة على (12) من بين 100 عداء، وذلك لحرمان الاحتلال لهم من الحضور.

محسن كركي 16 عاما من سلوان نادي القدس، يشارك للمرة الثالثة في الماراثون بالرغم من تحدي الشلل، ويعبر عن سعادته في الخروج من المنزل وقضاء أجواء ممتعة تعمل على رفع معنوياته، والتعرف على أناس جدد، بينما الشباب رمزي قندلفت ورائد خطاب من جمعية الكتاب المقدس الفلسطيني، يجرّون لعبتين جالستين على كرسي متحرك يحملون لافتة كتب عليها "لا تنظر للكرسي أولا أنظر للإنسان الذي على الكرسي" ، يشاركون للمرة الثالثة في سباق العائلة.

النساء هن الجميلات القويات أنبل المقاتلات، بلغت نسبة مشاركتهن في الماراثون 50% ومن بين تلك الجميلات، دلال شاهين من القدس يجاورها زوجها وأطفالها الأربعة بينما الخامس ينتظر القدوم بعد الشهر السابع، تشارك مع عائلتها كنشاط يساهم بتعزيز الروابط الأسرية وإمتاع الأطفال.

*وفود أجنبية يقولون نعم لحرية التنقل

ماراثون فلسطين الدولي شهد مشاركة  90% من المتضامنين الأجانب يفوق عددهم 1500، وتأتي بريطانيا في الطليعة من حيث المشاركة تليها الولايات المتحدة الأميركية .


يقول عمران وهو من من بريطانيا أن وجودنا اليوم هو لنقول أن فلسطين موجودة ونأمل في نيلهم حرية التنقل والحرية التامة، وأضاف أن عددنا الكبير 70 شابا وفتاة ضمن منظمة خيرية بمسمى "pennyapeal" تجمع الأموال لمساعدة الشعب الفلسطيني، ونشر الوعي القضية الفلسطينية في بريطانيا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، نحن نشعر بألمكم وأنتم لستم وحدكم.

دانا برقاوي فلسطينية الأصل تحمل الجنسية الأمريكية تعرضت للتوقيف وثم إجبارها على العودة بعد وصولها الجسر وذلك قبل بدء الماراثون بثلاثة أيام، وفي اليوم الذي يليه سمح لها بالدخول بعد توقيفها لمدة ست ساعات، برقاوي تقول أن قشعريرة تسري في كامل جسدها وتشعر برغبة عارمة في البكاء لرؤيتها فلسطين لأول مره.

وتقول شابتين من الصين أنهن كانتا متوجستان حيال الشعب الفلسطيني لإعتقادهن أنه شعب غير اجتماعي وقد يتعرضن للخطر أثناء الزيارة حسب صورتهن النمطية المغلوطة عن الشعب الفلسطيني المتشكلة لديهن عبر وسائل الإعلام، لكنهن فوجئوا برحابة الاستقبال وحسن الضيافة وبشاشة الناس والطعام الفلسطيني الشهي، وتقولان سوف تعممان تجربتهن بدولتهن.

"بيت لحم" مدينة السلام في أرض السلام التي ما رأت يوماً سلاما، تصر على أن تمد ذراعيها دائما للسلام والأمل والحب والبهجة، وتحتضن الجميع وهي من أصغر بقاع العالم لأن قلب فلسطين يتسع للعالم بأكمله، ولأن الرياضة تشكل لغة مشتركة عالمية، ولأن وراء كل إنسان قصة تستحق أن تروى احتشدت كل هذه القصص وأكثر في ماراثون فلسطين الدولي السابع.

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".