بتير .. بترت اطماع الاحتلال بها

بقلم: ديمة الحاج يوسف





هل عرفتم كيف استطاع شخص واحد فقط إنقاذ قرية بأكملها لكي لا تسقط في يد الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، في تلك الفتره  استخدمت العصابات الصهيونية "الحرب النفسية" سلاح الرعب لتهجير الفلسطينيين، فهربوا خوفاً على حياة الأطفال والنساء والشيوخ، الذين كانوا ضمن قائمة الأهداف لتلك العصابات. وقرية بتّير في بيت لحم كانت ضمن القرى التي هجرها أهلها فزعاً من المجازر التي ارتكبت في المناطق المجاورة.
  
تحولت بتير بين ليلة وضحاها إلى قرية أشباح، يحاصرها الصهاينه، لكن "صاحب المصابيح" الصحفي الفلسطيني حسن مصطفى، أبى أن يلعن الظلام ويستكين للظروف وعرف أن اليد الواحده قد لا تصفق ولكنها تجيد أعظم من التصفيق.

بفضل ذكاء حسن كان في كل مساء هو والأربعة عشر فردا ممن بقي في القرية فقط، يحملون إباريق الكاز لسقي المصابيح في البيوت الفارغة وإيقادها، وفي النهار يقومون بنشر الغسيل، فظن الصهاينة أن أهل بتير صامدون ومسلحون، واستوطن في قلوبهم الرعب وتجنبوا الاشتباك معهم، فنجت بتير من الاحتلال عام 1948، وعاد أهلها إليها. وخلال اتفاقية رودس للهدنة عام 1949 بين الأردن واسرائيل، نجح حسن بإقناع الضباط الصهاينة من أجل المحافظة على المنطقة  خلف السكة والسماح للسكان بزراعتها مقابل ضمان مرور آمن للقطار. 
    
 


وفي وقتنا هذا، حين نكسل ونكف عن الاكتشاف والغوص في ثنايا وزقاق وطنا، فإننا نرتكب بحق أنفسنا أولا خطايا عديده، ونرتكب بحق الوطن خيانة بيضاء مبطنه، تهيئ بيئة خصبه ليصبح ما تبقى لنا فريسة سهلة ينقض عليها الاحتلال..فكفانا وإياكم شر الخيانات.

انطلقت في 19 من إبريل في مسار بيئي وطني توعوي إلى قرية بتير التي تقع غرب مدينة بيت لحم وتبعد عنها 5 كم،  بتنظيم من مؤسسة وطنا وبالتعاون مع المجلس الأعلى للشباب والرياضة.

تم تسيير المسار من قرية حوسان الى بتير حوالي 15 كم، وهي قرية يحيط بها الجمال المتجسد بالطبيعة الخضراء وسبعة ينابيع مائية صالحه للشرب.



وعرجنا بزيارة قصيرة على عين الهوية، وفيها أجزم أن "العرج" إليها ضرب من ضروب المقاومه وإثبات الهوية، هناك وجدنا بعض العائلات اليهوديه يستجمون بأحضان الطبيعه وبعذوبة نبع الماء ويسبحون فيها، وحين رأونا بهذا الكم متدفقين، كلنا وله للوطن والثقه أن هذه أرضنا نتجول فيها دون قلق، ضُرب على وجوههم الذلة والمسكنه والاكتئاب، وانحشروا للزاويه وهم عابسون الوجوه.


ونحن استثمرنا الخمسة عشر دقيقة فيها نلتقط الصور بجانب العين ونستمع لمدير الدائرة الشبابية في الجنوب في المجلس الأعلى للشباب والرياضة محمد الهيموني وهو يتحدث بمعلومات تاريخية وجغرافية عن حوسان وعين الهوية وعن أهمية زيارتنا لهذه المناطق المهددة بالمصادره لتثبيت وجودنا وحقنا بها ولتكدير صفو وهناء أوقات الاحتلال بها. 


وتتميز هذه القرية بطبيعة التضاريس المتنوعة والمناظر الخلابة، فما زال الربيع ممتد فيها لم يشحب ويبهت لونه ويصفر، لبرودة اجوائها مقارنة بمناطق الشمال في الضفة. 

وأخذتنا أقدامنا على قرية بتير، قرية خلابة كسابقتها، تستفز حواسك برائحة النعنع والزعتر والميرمية الجبلية، وحبات الليمون والاسكدنيا، وصولا إلى شجر الزيتون والخضراوات والنباتات والعشب الممتد  في الوديان والبساتين.


ولفت انتباهنا النمط الزراعي في بتير المعتمد على المدرجات والمصاطب الزراعية بالاعتماد على نظام الري الروماني، وتمر  بها سكة الحديد التي تربط القدس ويافا والتي بناها الاتراك في عهد العثمانيين في اوائل القرن العشرين، واستولى عليها الاحتلال، وزرنا البركة الرومانية في بتير واندمجنا مع أهلها ودودين المعشر والذين يمتازون بحسن الضيافة وبشاشة الوجه. وانتهى المسار بزيارتنا الى كنيسة المهد في بيت لحم.

   
من الجدير بالذكر أن "اليونسكو" قد أدرجت بتير في 2014، على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، مما ساهم في منع الاحتلال الإسرائيلي من إقامة جدار كان سيصادر ثلث أراضي بتير، ويدمر جزء من الإرث العالمي الموجود فيها.













تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".