التوجيهي بين مقصلة الإعدام وحتمية التأهيل

بقلم: ديمة الحاج يوسف


صورة أرشيفية

نسرين جمعة، محمد زقوت،هدى الحواجري، ريم الزعانين، هل تعرفوهم؟ هل صادفتموهم يوما في الشارع، هل استمعتم إلى أحلامهم ومخططاتهم وخيالاتهم، هل قرأتم عنهم في الجريدة؟ ولكن ليس في صفحة أسماء الناجحين في الثانوية، بل بصفحة الحوادث المؤسفة. 


نسرين ومحمد وهدى أقدموا على  الإنتحار جراء شعورهم بأن الدنيا وأهلها ضاقت عليهم  بما رحبت، فقاموا بالتخلي عن غريزة البقاء لديهم، وذلك لقيام المجتمع والنظام التربوي المرتكز في نظام التوجيهي، بحرق كرامتهم الإنسانية.


 وأهانتهم لأنهم أصبحوا دون المستوى، حين يتم مقارنتهم بأقاربهم الناجحين، فقد أصبحوا بالنسبة لمحبطيهم وصمة عار، ولا يستحقوا الحياة بعد اليوم ، وذلك لقول بعض الأهالي لأبنائهم الذين لم يحالفهم الحظ في النجاح أين سأذهب بوجهي أمام الناس!.

في موت الطلبة الثلاث وإصابة الرابعة، لم يحدث شيء يذكر يدل على إحساس المسئولين بالفجيعة الأخلاقية جراء ما يحصل، مر الخبر مرور الكرام وأصبح الآن خبرا في أعداد الأموات لا يتم الإلتفات إليه!.

قرأت في  مدونة بأن في سبعينيان القرن الماضي توفيت إمرأة في اليابان مصابة  بالعمى أثر سقوطها على سكة القطار فقتلت، مما آثار ضجة صاخبة في المجتمع، وأعلنوا الحداد العام واستقالت الحكومة وتم وضع خطة متكاملة وشامله لخدمة ذوي الإحتياجات الخاصة.

اليوم في اليابان سترى وأنت تسير على الطرق المخصصة لذوي الإحتياجات الخاصة رسالة على الطرقات "تخليدا لمن أيقظت ضمير الشعب الياباني".فلم يتوقف الأمر على الاعتذارات والوعود وسوف نفعل.

آلا تسترعي نسبة نجاح الطلبة  59.58  % في الثانوية العامة لعام 2013 الوقوف جديا بشأنها، هل هذا مؤشر على غباء الطلبة، أم غباء المناهج! ذكرتني هذه النسبة في مقولة الفيلسوف براند راسل "يولد الناس جهلة وليس أغبياء، التعليم يجعلهم أغبياء".

فهل لنا نصيب من هذه المقولة؟ أم أنه إفتراء مغرض على النظام التعليمي وواضعوه؟ هل يعتقد الطلاب بأنهم أضاعوا إثنا عشر عاما من عمرهم وهم يظنون بأنهم يتعلمون؟ أم أنهم يتعلمون طوال تلك السنين وهم محملين بالخبرات والمؤهلات والثقافة التي تتيح لهم النجاح في سوق العمل؟.

لسنوات طويلة  تم تداول خبر تقسيم اختبار التوجيهي على مدى سنتين وليس على سنة واحدة، بين العامة بإحتدام وجدل، بإعتباره مفتاح الخلاص الأخير لمعاناة الطالب، وعلى الرغم من دعوة الطلبة  وأهاليهم لله عز وجل لتنفيذ هذا القانون، إلا وان وزارة التربية والتعليم في رام الله ترفض تطبيقه إلا بعد إتفاق بين الضفة والقطاع بهذا الخصوص.

ومؤخرا تراجعت  وزارة التربية والتعليم عن قرارها بحذف مساقين من أصل عشرة في المنهاج المقرر، مما أثار إحباط عام لدى الطلبة ووقفة إحتجاجية أمام وزارة التربية والتعليم، ولكن إن كان الهدف من إختبار التوجيهي هو تقييم الطلبة وما هي مؤهلاتهم للنجاح في الحياة وسوق العمل.

 فهل يعد الإختبار الخطي هو  المقياس الذي يحدد لغوية الطالب ودبلوماسيته وثقافته وانتماءه لوطنه، وعدم خوفه من التحدث أمام الآخرين، وتبنيه للفكر النقدي والإبداعي دون أن يكون نمط مشابه مكرر لمن هم قبله! هل هو إختبار بعد إثنا عشر عاما من الدراسة ُيعد بغرض الإعدام أم التأهيل المناسب؟.

من الجدير بالذكر بأن اختبار التوجيهي مطبق في فلسطين منذ عام 1963 مع إجراء بعض التعديلات الطفيفة، وعلى الرغم بأن نسبة الأمية في فلسطين بين الأدنى عالميا بنسبة 4.1% ، ولكن  نسبة البطالة  بين المشاركين في القوى العاملة وفق الجهاز المركزي للإحصاء بلغت 20.6%.

إذن لم يعد هناك مجال لإصلاحات ترقيعيه مؤقتة بدون هدف، فلنستذكر وجوه وأحلام الطلبة الذين تقتل أحلامهم دون قرار جاد بهذا الخصوص، حيث يقول الرئيس السابق  لدولة البوسنا والهرسك علي عزت بيجوفيتش "المدرسة التي تقدم حلولا أخلاقية وسياسيا جاهزة، فإنها تعتبر من وجهة نظر الثقافة همجية لأنها لا تخلق أشخاصا أحرارا بل أتباعا".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اكتشافات تل الفارعه..الكنعانيون هنا منذ الالاف السنين

اقتباسات من كتاب "التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الإنسان المقهور".